كثيرة هي الأمثال الشعبية والحكم التي يتم تداولها بين العامة، قد تكون صالحة بحسب الزمان والمكان والتجربة التي عاشها الشخص، لكن قد نجد البعض منها يتم تداوله وتعميمه الى اليوم ولو كان لا يخدم الموقف نفسه، إلا أن أصحابها جعلوا منها حتمية قائمة تًصلُح لكل الفترات الزمنية. ما جعلني أستغرب حينما يتم نقد ما قيل في المثل، تأتي مهاجمة من الطرف الأخر على أساس أن هذه الأمثال لا نقاش فيها، لأن الجيل القديم كلامه موزون ويعي ما يقول، ولو كان ذلك المثل لا يعبر عن ما نعيشه اليوم.
منذ سنوات، وأنا ألمح هذا المثال المتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإن اختلف طريقة التعبير عنه، القائل: لا تحب فتاة قارئة ولا تغرم بكاتبة ولا تعشق شاعرة، تتأتي كخاطرة تنصح فيها الشاب وتحذره من ارتباطه بفتاة من هذا النوع، وعندما إطلعت على التعليقات لم أجد ولا شخص يدافع عن هذه الفتاة ولو بكلمة، تساءلت، أحقا لا يوجد من هؤلاء أصحاب اللايكات من جرب الخوض في تجربة مع إحداهن؟
لكن هذا الأمر لم يتوقف الى هنا، بل تفاقم أكثر، عندما شهدت منصات التواصل الاجتماعي في المغرب ضجة كبيرة العام الماضي جراء ما قام به الناشط إلياس الخريصي الذي نشر تدوينة عبر الفيس بوك يدعو فيها بعدم الزواج بالمرأة المتعلمة والحاصلة على الشهادات العليا، فيقول إن من يتزوجون بالنساء المتعلمات معرضون بشدة للفشل الأسري، أما النجاح، بحسب قوله، فهو من نصيب من يتزوج امرأة بدون مستوى دراسي. وقد ختم تدوينته المثيرة للجدل "إذا أردت أن تتزوجها من هذا النوع فأنت تغامر وتقامر بنسبة 1 في المئة أتمنى لك حظا موفقا". هذه التدوينة لقيت جدلا كبيرا وسط المجتمع المغربي بين مؤيد ومهاجم لما قاله، وقد كتبت الإعلامية المغربية إيمان أغوتان، أنها لم تتفاجئ بمضمون التدوينة، لأنه رأي فرد مهما كان شاذا، لكن الغريب هي التعليقات المؤيدة لهذه المضامين في أوساط الشباب.
اليوم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تزايد سنة بعد الأخرى، وأغلبية المستخدمين هم شباب ومراهقين، والكثير منهم من رسموا أفكارهم وتوجهاتهم بناءا عن المنشورات والتدوينات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة تلك التي تلقى متابعة وتفاعل كبير بغض النظر عن المضمون المسيء لقيم المجتمع وثقافته.
استغل الكاتب السعودي فهد الأحمري ما يتم تداوله على الفضاء الإفتراضي ليفاجئ قراءه في2019 بعنوان كتابه "لا تتزوج امرأة تقرأ"، من يكتفي بقراءة عنوان الكتاب يعتقد بأنها دعوة لرجل تحديداً، إلى عدم الزواج بامرأة تقرأ، أي بامرأة لا تهتم بشئ عادى الكتاب و القراءة، لكنّ من يسرح في محتوى الكتاب ويبلغ نهايته يدرك أن الكاتب إستعان بأسلوب السخرية الملطفة ليخلص إلى دعوة معاكسة كأنه يقول "أنصحك بفتاة مثقفة". من الاقتباسات الساخرة التي قالها الكاتب:" لا تتزوج امرأة تقرأ، مطبخها فارغ ومكتبتها عامرة، أوانيها كتب وكتبها أوان، رفوف المطبخ مؤلفات وأدراجه دفاتر، تملأ عقلك وبطنك خاوية، تعرف تقرأ ولا تعرف تطبخ، فكيف تتزوج أنثى تفكر، سيدة تعقل، امرأة تقرأ، والأصعب حين تكون امرأة تكتب...لا تتزوج امرأة تكتب...".
وكوني فتاة أسعى كل يوم أن أرتوي من منابع العلم والثقافة الى حد الشبع يوما، سأختصر، المرأة القارئة هي صندوق يعج بالمفاجآت والروائع، أما عن الكاتبة قد تدهش غرورك في جلسة فكرية عميقة، وأما عن الشاعرة فهي عبقرية حين تفكر بسيطة حين تحب وتشعر. وبشكل عام المرأة هي مدرسة في حد ذاتها، وخصوصا إذا كانت مثقفة، تكون قدوة لأبنائها، ومربية للمجتمع ككل.
وماذا عنكم يا اصدقاء، هل أنتم أيضا صادفتم هذا المثال المذكور؟ كيف تفسرونه؟ الى أي مدى تصبح بعض التدوينات والأمثلة فيروسا وخطرا على مستخدمبها؟ وكيف يتم التصدي لهذا الأمر، برأيكم؟
التعليقات