" هددني مرارا بالفصل، وبنقاط لا تتجاوز الصفر، كان يتصل بي في وقت متأخر، محاولا خلق حديث سخيف، يعبر فيه كل مرة عن إعجابه وعن رغبته في الارتباط، طبعا خارج نطاق الزواج، فهو الدكتور الذي يتعدى الشباب بحفيد يلقبه بجدي في المجالس، والأماكن العامة، وبسن يعرقل مراهقته على بطاقة التعريف، ومظهر مغاير عن ذلك الذي يصدره في الجامعة، وكنت طالبة جبانة تخاف إعادة السنة، وعقوبة تتعرض لها من قبل الأولياء، كنت أحدثه بقرف مبالغ، خائفة من غضبه الذي قد يعصف بنتائج السهر، والتعب، قد يلبس والدتي ثياب المرض، ووالدي قناع الحزن" : هكذا حثت لي
خرجت عن صمتها بعد أن كثرت الطلبات، تسلحت بالشجاعة لتحكي عن قصص تصنف من ضمن التابوهات، الحرم الجامعي الذي لطالما كان حلما لجيل صاعد، ومكان مقدسا لجيل يحمل رسالة الأنبياء، لعلاقة تربط الأستاذ مع الطالب، قد تظهر للعيان، أنها شرعية باتفاق جميع الأديان، وأنها مكللة بحب التعلم، والرغبة في التطور، لكنها في الحقيقة أبشع مما تتصور، علاقة يباح فيها كل شيء تحت ذريعة الرئيس والمرؤوس، والحاكم والمحكوم، والآمر والمنفذ.
علاقة مشبوهة تدار خلف الكواليس، تبدأ بتبادل أرقام الهاتف والحسابات الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بحجة تقديم معلومات، وتوفير كتب علمية خدمة للاختصاص، فتجدها تنحرف عن كل التخصصات المعروضة في الجامعة أو الثانوية، فيتحول العلم إلى عبارات غزل، والتوجيه إلى طلبات شخصية، والانبهار بالتفوق، إلى انبهار بالجسد والشكل، كانت شجاعة لتتحدث بصوت مسموع، وتقول ما عجزت عنه الكثيرات، لتحكي قصص تكتب في الظلام، وتطمس مخافة الانتقام.
لم تكن الوحيدة التي تقرر عدم الرضوخ وإعادة السنة رغم كل الضجة التي صاحبتها، ورغم كل الأدلة التي كانت تحملها، من تسجيلات للمكالمات، وصور للدردشة، ورغم كل ذلك لم يصدقها أحد، فمن العيب أن نتهم إله الأخلاق في نظرهم، وأن نشكك في سمعته، فكل تصديق يعرض المنظومة التربوية إلى شباك الاتهام، ونفتح قضايا قرر ضحاياها أن يبقوا صامتين، وأن يرحلوا وبصحبتهم أسرار لو خرجت للعلن لعصفت بالتربية والتعليم في كل بلد، وجعلت من الآباء والأمهات يخترن الجهل حبا بدلا من العلم ذلا.
في القديم الجميل، كنا نتحاشى لقاء المعلم والأستاذ، نهابه من بعيد، كان عملاقا في نظرنا للدرجة التي تجهز فيها الكلام الذي ستقوله قبل الهندام، كنا نصاب بالتلعثم حين ينادينا، وننظر للأسفل حين يسألنا، كانت هنالك مسافة كبيرة بيننا وبينه، تجعلنا نخاف غيابه قبل حضوره، لم يكن بيننا أي نقاط مشتركة غير القسم أو المدرج، تلك المسافة كانت تتضمن السن، والعقل، والقلب، كان يرانا أطفالا، ونراه أبا، يرانا مراهقين، ونراه ناضجا حكيم، يرانا حساسين، ونراه قاس، حتى في حالات التعاطف كان صلبا يكتفي بعبارات مقتضبة.
أما في الواقع المرير أصبح الأستاذ في متناول الجميع، يتحدث هنا، ويتصل هناك، يبتز هذه لجمالها، والأخرى لحسبها ونسبها، يعقد جلسات مغلقة، على طاولة المزايدات، ويتحدث بلطافة مفرطة، مستعملا العلامات والنقاط قاربا للوصول، ووسيلة لإباحة كل ما هو محرم، تحت وطأة الاستغلال الجنسي الهارب من سلطة المشرع، محاولا التودد والتقرب، كاسرا بذلك كل مقاليد الاحترام والأدب، متناسيا أنه حامل لرسالة ثقيلة، ولأمانة عظيمة.
إنّ مَنْ أمِنَ العقوبة أساءَ الأدب، ومن لم تحكمه القوانين والنظم، عاث فسادا في الوسط، حين نسلم للأستاذ جميع الصلاحيات، ونضع في يده كل المفاتيح، يفلت من المراقبة والمحاسبة لعلاقاته بالطاقم الإداري، فلا يحرر في حقه محضر الشكوى، والتبليغ، ويهضم حق طالبة ضعيفة، تساوم في كل يوم بين النجاح والجنس، التفوق والرضوخ، ويصبح مصيرها العلمي، بين من لا يرحم، ولا يتراجع، فتضيع بوصلتها بين كشف الحقيقة، ومواجهة مجتمع لا زال يعبد بعض الأصنام، أو القبول خوفا من ما قد تترتب عليه كل هذه الأحداث، التي قد تصل حدود تبادل الاتهام، المنتصر في ذلك، من تحميه العلاقات، وتدعمه الوساطات.
التعليقات