الجمهور مغفل بطبيعته يتصف بعفوية وعنف الكائنات البدائية. يطغى فيه الشعور بالقوة على الإحساس بالمسؤولية فينصاعون لغرائزهم في التدمير والفوضى ويصدرون أحكامًا وينفذونها؛ لو سُئل كل فرد منهم على حدة لما وافق عليها، ذلك أن الجماهير غالبًا (وليس دائمًا) ما تكون مجرمة ومن السهل اقتيادهم تجاه فكرة معينة أو قضية ما واستخدامهم من أجل انتصارها.

لأن "الجمهور النفسي" كائن جديد مؤقت كالمركب الكيميائي يتحلى بخصائص جديدة تختلف عن خصائص كل فرد على حدة وأهم سماته هي انصهار أفراده في روح واحدة وعاطفة مشتركة تقضي على أي فروقات شخصية أو عقلية. (جمهور مطرب معين أو فريق كرة أو الجماهير التي تنقض على شخص ما لتقضي عليه قبل التأكد من أنه مذنب أو لا).

ويرى لوبون أن "عمل الجماهير لا يخدم قضية التقدم دائمًا فالجماهير تجيش العناصر الرجعية أيضًا. الجماهير هي الجماهير في أي مكان أيًا كانت الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها. تظل تصرفاتها غير متوقعة وهدامة".

كانت فرضيات لوبون هذه في كتابه سيكولوجية الجماهير صادمة لعلماء الاجتماع أصحاب النظرة السائدة التي تؤمن أن الناس يتحركون بشكل عقلاني ويفكرون بشكل منطقي.

وبرغم أن نظريات لوبون أُثبتت بشكل قاطع في فترة الحرب العالمية الثانية وتجييش الفاشية والنازية في أكثر دول أوروبا تحضرًا إلا أنه من المفارقات إن سبب خلاف الجامعات الفرنسية مع لوبون هو تبني الحركة الفاشية والنازية لنظرياته وأفكاره. ولهذا اتهمته بالفاشية!

صحيح ان كل البلاد تقريبًا استعانت بأفكاره في القيادة والسيطرة على الجمهور لكن وحدها الحركات النازية والفاشية هي التي أعلنت ذلك صراحةً.

من المفارقات أيضًا إن أشهر كتب جوستاف لوبون هو كتاب سيكولوجية الجماهير (الذي هوجم بشدة بسببه) وهو الكتاب الوحيد من بين مؤلفاته الذي اتخذته الجامعات الفرنسية كمرجع لها بعدما رفضت صاحبه كأستاذ طيلة حياته على الرغم من محاولاته.

الجمهور هو الجمهور. على الرغم من تفاهة الفكرة لا أدري لماذا أتذكر تحليلات جوستاف لوبون عندما أرى ملايين المتابعين للصفحات الفارغة أو قنوات يوتيوب الفارغة أيضًا بينما يشتكي أصحاب المحتوى الهادف من ضعف التفاعل.