إحدى روائع الأديب السوري محمد الماغوط، والذي يصرح به علانية بأنه "سيخون وطنه" ، هو هنا لا يتكلم عن دولة بعينها، بل عن الوطن العربي بالكامل، بحكم أنه يعيش حالة عامة من الفساد، والظلم، والتخبط ..

يرصد الماغوط في كتابه هذا كثير من المواقف الحياتية التي نعيشها في يومنا، وفي دول عربية كثيرة، ولكن بحس ساخر وكوميدي وموجع أيضًا، ستجده يتحدث عن أبسط حقوقنا المسلوبة، عن الشوارع غير النظيفة، عن المياه المسممة، عن المواصلات والعجب الذي نراه فيها، عن الطرق غير الممهدة، عن حقوقنا المسلوبة منا كبشر، بينما في بقاع أخرى على الكوكب ذاته، هناك من يطالب بحقوق الحيوان !

حالة عبثية وواقعية تمامًا نعيشها، لكن رصدها في كتاب واحد هو ما يدهشني، كيف عاش الماغوط بعد كتابته هذا الكتاب ؟!

بالرغم من حس السخرية الواضح جدًا في الكلام، إلا أنه بالتوازي هناك وجع يقفز من بين السطور، ألم وشعور بالخزي وخيبة الأمل واللامبالاة، شعور بالحسرة على أن يضيع العمر في هذه المنطقة التي يبدو وكأن الله غاضب عليها ..

أجمل ما في وجدته في الكتاب، ليس فقط رصده لكل كبيرة وصغيرة، بل وصفه لكل موقف رصده، تمامًا كما لو دخل بعقلي وعرف كم أعاني، كما لو كان معي في الموقف ذاته، قليلًا ما تجد كاتب يشعر بك تمامًا وكأنه استعار قلبك وعقلك ليفرغ ما بهما من أفكار، وأنا أقرأ الكتاب كنت أتخيل الماغوط شخص قريب جدًا مني، يعيش حياتي ويعاني مما أعانيه، هو لا ينتمي للبرجوازية بأي صلة، لا ولا ينتمي لطبقة الكتّاب الراقية، هو فقير معدم يعيش بيننا ونصادفه يوميًا، نراه في المؤسسات الحكومية، نقابله في المواصلات، يعيش حياتنا بأدق تفاصيلها، أنسب ما يقال عن هذا الكتاب أنه صرخة، صرخة ملايين يعيشون في هذه المنطقة التى نرى بها كل العجب !

فضلًا عن أن لغة الكتاب سهلة للغاية وبسيطة، والأهم أنه مكوّن من مقالات منفصلة، أي بإمكانك قراءته بمنتهى الأريحية والسهولة ..

اقتباسات من الكتاب:

  • كان كلما دخل زبون وسأله: هل اللحم والفراريج عندكم مذبوحة على الطريقة الإسلامية ؟ يجيبه وهو يقدم له الشوكة والسكين: " ليس عندنا سوى الإنسان العربي مذبوحًا على ألف طريقة وطريقة!"

  • كل مدير مدرسة فور توزيع شهاداته على الخريجين، وانتهائه من تقديم نصائحه وتمنياته لهم بالنجاح والتوفيق في حياتهم العملية لبناء وطن حر مستقل، عليه أن ينخرط هو وبقية الأساتذة في البكاء!

  • نعم فكل شيء ممكن ومحتمل ومتوقع من المحيط إلى الخليج، بل منذ رأيتهم يغدقون الرصاص بلا حساب بين عيني غزال متوسل، أدركت أنهم لا يتورعون عن أي شيء ..

  • وإذا سألوك: أين أذهب أحيانًا عند المساء، فقولي لهم: أنني أعطي دروسًا خصوصية في الوطن العربي في توعية البائسين، وإذا ما بدوت يائسًا في بعض الأحيان، فأكدي لهم أنه يأس ايجابي، وإذا أقدمت على الإنتحار قريبًا، فهذا لكي ترتفع روحي المعنوية إلى السماء !

وأخيرًا أريد أن أعرف رأيك في الكتاب إذا كنت قرأته، وإن لم تكن قرأته بعد فأنصحك بأن تجعله الكتاب القادم، صدقني سيفوتك الكثير ..