منذ فترة سنتين تقريباً كنت اعاني من الاكتئاب المتكرر "في كل فترة كنت اقع في فخ الاكتئاب، وابدأ بفرد ذراعي والتخبط كاللذي لا يعرف السباحة" وكان اغلب اصدقائي في تلك الفترة "ليسو اصدقاء مقربين، وانما اصدقاء اعتياديون" يلاحظون ذلك، وينصحوني بقراءة بعض الكتب للتخلص من هذه الحالة.
تقريباً، الجميع نصحني بكتب التنمية البشرية، اسماء مشهورة وغير مشهورة، عشر صفحات ومئة صفحة، كتب روائية، كتب سردية، كتب "علمية"...
تقريبا ثلاثون كتاباً "عرضها اصدقائي علي على مدى سنة" تقريباً، الى ان توقفت عن القراءة تماما لمثل هذه الكتب "اعلنتها صراحةً".
ليس لانها لم تنفعني "اؤمن انه ليس هناك كتاب غير نافع تماما، مجرد معرفة كونه غير نافع هي نفع وخبرة" ولكن لأنها "وبعد الكتاب الثالث" أصبحت فكرة واحدة بكلمات مختلفة، عبارات مختلفة، اسلوب مختلف... اكملت قراءة كتابين اخرين من هذا النوع ثم توقفت، لم اكمل الثلاثين، ولن اكمل الثلاثين ابداً.
ربما بعض النقد الموجود في اراجيك الذي يتناول التنمية البشرية "كمدربين واشخاص" ينطبق على مافي الكتب، لكن للاسف قرأت المقالات منذ زمن قريب وليتني قرأتها سابقاً.
سأحاول تلخيص تجربتي مع هذه الكتب:
- التركيز بشكل هائل على القصص -التي غالبا ما تكون دون مصادر، الا اللهم كتابا واحدا وجدت في نهاية كل قصة مصدرا لها- وكأنه سيتكرر معي ماحدث مع هؤلاء الاشخاص تماما...
القصص الايجابية "زيادة عن اللزوم" ستعيد لك الابتسامة والامل ولكنها حتما غير واقعية في اغلبها، لقد عملت هنا لشهرين كصبي الشاي، اغلب الشارع من اصحاب الاموال الكثيرة، الجميع يعلم أنني اتقن الانجليزية والعربية والقليل من التركية، وأنني طالب في كلية الهندسة، مع ذلك لم يعرض أحد علي وظيفة في شركته "الحقيقية الموجودة".
لأن الحياة ليست هكذا... لن يأتي المليونير اليك لينشلك ان لم تعمل للوصول اليه ومقابلته.
- انت قادر، انت تستطيع، قم ودع عنك الرقاد، عليك ان تدمرهم بنجاحك... حسناً لو كنت قادراً على القيام لما كنت مستلقيا هنا مكتئباً، هذا ما فكرت فيه تقريبا في كل مرة قرأت فيها عبارة تحفيزية من هذا النوع، "عم تتفرج؟ شو ناطر؟" تقريباً انتظر ان تنتهي حياتي "هذا فعليا ما كنت افكر فيه بلحظات اكتئابي"
لست بحاجة لأحد كي يخبرك انه عليك العمل، او النهوض بنفسك، وان اقتنعت بكلمات احدهم في هذا السياق فهذا لأنك سلفاً قد قررت القيام والنهوض، وكلماته ليست ذات اي تأثير عليك، تعلم مع الزمن الاعتماد على ذاتك للنهوض بذاتك دون ان تحتاج هذه الكلمات...
الكلمة التي يكتبها الكاتب هي مجرد كهرباء لحظية، ان استمر الحماس داخلك فهو منك انت لا من الكتاب، ويمكنك تعلم صنع هذه الكهرباء بنفسك، اما ان لم يؤثر بك هذا الكلام فلا تقلق لانها حالة طبيعية
ابدأ البحث عن أمور تهمك لا تسحبك لدوامة الاكتئاب، تابعها، اخرج نفسك، ومن ثم عد لحياتك الطبيعية دون الاكتئاب
- اجب على الاسئلة التالية، وقم بالنظر الى التقييم في نهاية الكتاب... ببساطة 99% من الاختبارات التي خضتها في تحديد الشخصية، المساعدة لايجاد طريق حياتية افضل، هي مجرد اختبارات لا قيمة لها، وغالبا بسبب مضي فترة زمنية كبيرة على صنعها "الاعتماد على احصائيات قديمة" لا علاقة لها بحالك...
لا تقم بعمل هذه الاختبارات خصيصا ان كنت مكتئباً، لن تساعدك اطلاقا وانما ستجعل حياتك جحيماً، غالباً ما سيخرج تقييم شخصيتك بانها تحتاج الكثير من الاصلاحات، او اسوأ من ذلك: انها رائعة ومميزة... صدقني لست بحاجة لمعرفة اي من الامرين...
هذه الاختبارات ليست دقيقة، ليست مفيدة في حالة الاكتئاب، لن تساعدك للخروج من هذه الحفرة وانما ستعمقها بحيث لن ترى النور
- الصفحة الاخيرة غالبا ما تلخص لك كل ما في هذا الكتاب المميز... اقرأ الصفحة الاخيرة اولا.
ستجد الكاتب دائما يلخص لك القصص والافكار والعبارات ويعطيك خلاصة الموضوع التحفيزي والخطاب الساخن في هذه الصفحات، ربما هو ما تحتاج اليه دون تضييع الوقت في قراءة مئة صفحة، لذا قبل ان تقرأ الكتاب اطلع على الملخص المجاني الخاص بالكاتب، ان لاحظت تحسنا باشر في قراءة الكتاب، ان لم تجد توجه لغيره "او لا تتوجه، لا داعي لذلك"
التلخيص في هذه الكتب منتشر بكثرة، لا ادري ما الهدف منه، ربما ليتحمس القارئ ويذهب ليكتب مقالا ينصح به كل من عليها بالقراءة، وربما لعطيك الشعلة الاخيرة التي لن تنطفئ "لا اؤمن بهذا شخصياً" ولكنه موجود وبكثرة، وسيوفر وقتك بكثرة
ملاحظة اخيرة:
لست انتقد كتاب التنمية البشرية بشكل عام، أحد الكتب التي قرأتها غير حياتي حرفياً، ولكن لم اقرأه في وقت اكتئابي، انا فقط اقول انها ليست فكرة جيدة لمن يعيش حالة اكتئاب، لن تساعده اطلاقاً.
التعليقات