رواية مأساة واق الواق... حين تتحول الأرض إلى صرخة شعرية
في سفرٍ أدبي مدهش، ينهض محمد محمود الزبيري رحمه الله من بين رماد المأساة اليمنية، ليخطّ ملحمة فكرية وإنسانية قلّ نظيرها، عنوانها: "مأساة واق الواق". روايةٌ تُصنف في ظاهرها كعمل سردي، لكنها في جوهرها بيان ثوري، ومرآة عاكسة لوجع وطنٍ يُدعى بـ"اليمن السعيد"، ذلك الاسم الذي بدا، في نظر الزبيري، مفارقة موجعة.
نُشرت الرواية عن وزارة الثقافة والفنون والتراث – دولة قطر، وامتدت على مدى 324 صفحة، كتبت ما بين عامي 1959 و1960م، بحسب ما رجّحه الدكتور عبدالعزيز المقالح رحمه الله، أحد أبرز النقّاد اليمنيين.
ليست هذه الرواية مجرد أحداث تتوالى، بل هي رحلة وعي، تغوص في صميم المعاناة، وتتشظّى على جدران الخيبة الوطنية. تبدأ القصة بالشاعر "العزي محمود"، وهو يجلس في جامع الأزهر ليلة القدر، ينثر شكواه لسماءٍ تغصّ بالأنين، ويلتحق بجماعة من العلماء يتداولون أخبار العالم، لكنه يُفاجأ بأن اليمن، بلاده الجريحة، ليست على خارطة اهتمامهم ولا حتى على أطراف أحاديثهم.
من هنا تبدأ الرحلة الكبرى؛ فحين لا تجد بلادك في حديث العلماء، ولا في صفحات الجرائد، تبدأ رحلة البحث عن الذات في المجهول. يأخذه الشيخ في جامع الحسين عبر التنويم المغناطيسي إلى جغرافيا الحلم، حيث تتبدى له بلاده في ثوب المأساة، وتتكشّف له الحقائق المخبّأة تحت ركام العبودية السياسية.
وفي قلب هذه الرواية، يدرك القارئ أن الحل لا يُستورد، ولا يُهدى من السماء، بل ينبثق من وعي الشعب ذاته، ومن تضحيات الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن الكرامة. لذلك، يذهب العزي محمود إلى "الجنة" لا لطلب الراحة، بل للقاء شهداء الوطن، أولئك الذين فهموا الدرس، ودفعوا ثمنه من دمائهم الطاهرة.
رواية "مأساة واق الواق" ليست عملًا روائيًا فحسب، بل هي تأريخ شعري لوجعٍ وطني ممتد، صرخة من أعماق شاعر لم يكتب بقلمه، بل بجرح قلبه.
هي دعوة للتأمل، للثورة، ولإعادة تشكيل الوعي، وهي في الوقت ذاته شهادة تاريخية كتبتها روحٌ تأبى أن تصمت أمام القهر.
إنها الرواية التي ما زالت تُقرأ كمرآة للحاضر، لا كحنينٍ للماضي...🤍
عدنان الورشي
التعليقات