في بعض الروايات، لا شيء يحدث حقًا. لا حروب، لا انقلابات، لا حبٌ كبير ولا موتٌ درامي. فقط يوميات عادية: كوب شاي يبرد على الطاولة، نافذة تُطلّ على شارع رمادي، وشخصية تتأمل صمت الحياة من خلف زجاج مهتز.
ورغم هذا الجمود الظاهري، نشعر بأن شيئًا هائلًا يتحرك في الداخل. كأن الكاتب لا يروي حكاية، بل يضع مرآة أمام القارئ ليكتشف ذاته من جديد. هنا، لا تقودنا الحبكة، بل التفاصيل. لا نحيا الأحداث، بل نحيا داخل الشعور بها.
روايات مثل "البحر البحر" لإيريس مردوك أو "يوميات" ناتالي ساروت لا تمنحنا دراما صاخبة، بل تخلق فراغًا نملؤه نحن بأسئلتنا، بخيباتنا الصغيرة، بتفاصيلنا المنسية. كأن الأدب هنا لا يقدم تجربة جاهزة، بل يستدرج وعينا ليُكمل النقص، ليُعيد ترتيب ذاته في صمت.
ما الذي يجعل رواية بلا أحداث تُحدث هذا التأثير العميق فينا؟ أهو صدق التفاصيل، صمتها الذي يشبه صمتنا، أم لأننا أخيرًا نرى أنفسنا دون أن يقاطعنا السرد بصراخه المعتاد؟
في هذا الأدب، العظمة لا تولد من الحدث، بل من الفراغ. من قدرة النص على أن يصبح أرضًا خصبة للتأمل، وساحةً يعيد فيها القارئ بناء نفسه بين سطور الصمت.
شاركوني: ما الرواية التي لم يحدث فيها شيء تقريبًا، لكنها غيّرت شيئًا داخلكم؟
التعليقات