تكمن أغلب نقاط ضعف الرواية الأولى من سلسلة ما وراء الطبيعة في الأسلوب الذي كان ركيكا كما جاء في التقرير الأول عنها,والذي خرج من لجنة النشر التي تحمل مهمة رفض أو قبول الرواية. وموضع الضعف في الإسلوب كامن في كونه لا يخرج سوى عن حكاء يحكي لإبنه حكاية,لا راوي يعرض يعرض رواية,هذا ظاهر في اللغة البسيطة والسهلة إلى درجة يفهمها الصغار قبل الكبار,لكنها لا تستخف بعقول الكبار. وقد جاء في التقرير الأول:-

"الأسلوب ركيك,ومفكك,وتنقصه الحبكة الروائية,بالإضافة إلي غموض فكرة الرواية."

ثم تم عرضها علي لجنة قراءة أخري بإشراف د. نبيل فاروق لتكون النتيجة:-

"الأسلوب ممتاز,ومترابط,به حبكة روائية,فكرة القصة واضحة,وبها إثارة وتشويق."

ويرجع التناقض بين التقريرين إلى أن أسلوب أحمد خالد كان مختلفا عن المعتاد فلم يستسيغوه,كما أنه يفوته بعض الأشياء التي أضعفت الشكل العام لإسلوب الكاتب. وبالرغم من أن أسلوب خالد سيترسخ في ذهن القارئ وسيعتاد عليه وسيظل مترابطا بدرجة كبيرة لاحقا إلا أنه لن يتجاوز الكثير من العيوب التي ستلاحقه إلى نهاية السلسلة. والتي سنتناولها بشكل مفصل في الفقرات الآتية.

ومع ذلك يظل إسلوب أحمد خالد توفيق ممتازا في أغلب رواياته لأنه يتميز بسبعة امتيازات

[1] الوصف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهنا ننحى بجانبا من الوصف للكائنات المخيفة في روايات سلسلة ما وراء الطبيعة,والتي تم تقديمها في نمطين رئيسيين لا يبتعد أحمد عنهما أو يمزج أو يعطي مزيدا من التنويعات إلا نادرا وربما لم يفعل مطلقا,وهذا عيب رئيسي فيه إلا أن الوصف يظل قويا مع ذلك.

النمط الواضح

وهو الموجود في أغلب روايات السلسلة,وفي أغلب أعماله,ويعتمد أكثر على الصدمة التي يتلقاها من يخوض تجربة رؤية هذه الأشياء مباشرة,وبشكل -أو شبه- مكشوف. مثل أنياب مصاص الدماء عليها قطرات دماء وعظام موتى أكل أصحابها ملتهم بشر.

النمط الغامض

إسلوب معين في السرد ينتمي إلى هذا النمط مقتبس من لافكرافت,ويظهر تأثر الكاتب الشديد بعميد أدب الرعب في أكثر من موضع وأكثر من جانب خاصة في سلسلة ما وراء الطبيعة وفي القصص القصيرة,لذا فالإسلوب الذي لا يغيره أحمد خالد بتاتا طالما عن شيء غامض يؤكد في كل مرة مدى تعلق الأخير بكتابات هوارد فيليب لافكرات. وأتى تشبثه بهذا الإسلوب فعالية كبيرة لا تخيب مع القارئ,وأمثلة ظهورها عديدة ربما نتناولها في مقال آخر.

ثم هناك توصيف الرعب,وتقسيمه إلى أنواع,ما بين الخوف من المحتوم

"أن يتهددك خطر لا يجدي معه إبلاغ البوليس ولا امتلاك سلاح ولا تربية كلب،ولا تحصين النوافذ.. أليس هذا مريعاً"

أو الخوف من المجهول (ما وراء الباب المغلق).

وهو ما سنتاوله بشكل أكثر تفصيلا في مقال آخر عن أنواع الرعب.

[2] التوظيف المعرفي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التوظيف المعرفي أو التفسير الإجمالي هو توظيف رصيد معرفي عن أدب الرعب (ومعارف أخرى) بطريقة تثري العمل ولا تخل به.

واحدة من السمات الأكثر تميزا لإسلوب أحمد خالد هو قدرته المذهلة في توظيف دائرة معارفه الواسعة داخل عقله بين حروف كلماته,من خلال عقل منظم وذاكرة قوية,دون إسلوب النقل الأكثر سطحية باستخدام القص واللصق كما يفعل كتاب اليوم ممن يسمون أنفسهم أبناء العراب أمثال أحمد خالد مصطفى -لاحظ تشابه الأسماء حتى كما أنه نال شرف مشاركة العراب في عمل أدبي- في صورته الأبرز,وأحمد الزيني في صورته الأقبح.

عبر التوظيف المعرفي / التفسير الإجمالي يسرد لنا الكاتب التفاصيل المفيدة للقارئ والمحيطة بالأحداث,دون ابتذال أو إدخال أو اجتزاء أو تطويل. هذا غير قدرته على تبسيط الكثير من المعلومات بعيدا عن التشتيت أو الإرباك.

يقارب توظيفه هنا أو يوازي ما يقدمه دان براون من معلومات غريبة عن تاريخ الفن في رواياته البوليسية بطريقة تحافظ على تعلق القارئ بها في عصر الإنترنت,وهي إحدى العوامل التي حافظت على شعبية سلاسله (ما وراء الطبيعة / فانتازيا / سافاري) بعد دخولها الألفية الجديدة وثورة المعلوماتية حيث كان يعتمد المؤلف بداية على ندرة المعلومات وغرابتها والتي لم يكن يسهل إيجادها وجمعها في القرن الماضي. قبل دخول القارئ المتصل إلى الساحة.

هناك مشاكل ترافق التفسير الإجمالي,منها مثلا أن الوحش لا يعرّف عن نفسه لفريسته,ولا حتى صياد الوحش يفترض منه أن يتوقف ليسرد لرفيق له آليات عملية الصيد. إلا أن التفسير أتى أغلبه بعيدا عن ذلك في صورة استرجاع لمعلومات تاريخية من قبل بطل ما وراء الطبيعة -رفعت إسماعيل- تعينه على غلبته أو فراره. وهي استرجاعات تزيح اللبس عن الأحداث وتقوي الحبكة.

وتأتي في صورة التلميذ أمام الأستاذ مع علاء عبد العظيم بطل سافاري,أما عبير عبد الرحمن فعالمها -فانتازيا- أصلا متكون من الكم الهائل للمعلومات التي اطلع عليها.

يمكن القول إن السهل الممتنع والتفسير الإجمالي والتعليقات التهكمية هم أفضل ما تميز به أحمد خالد توفيق في إسلوبه.

[3] مختبر السرد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبر السلسلة قام أحمد خالد باختبار عدد كبير من الأساليب والتقنيات السردية في حكاية قصصه الماورائية. مثل القص بأشكال مختلفة؛الرسائل,والرواية متعددة الرواة,والإثنان طريقتان للسرد من وجهة نظر شخصيات مختلفة. في الأولى تكمل الشخصيات معا سرد القصة,وفي الثانية تعيد تكرار السرد من وجهات وزوايا مغايرة. ومن ذلك أيضا إسلوب المقتطفات الأدبية (إنثولوجيا Anthology) في السرد الذي استعمله في حلقة الرعب وجميع حلقات الرعب بسلسلة ما وراء الطبيعة.

أيضا المزج بين ضمير المتكلم وضمير الغائب في التأرجح بين منظور المتكلم ومنظور الراوي,مع كسر للحائط الرابع في بعض الأحيان متحدثا مع قرائه. كما أن الكاتب نجح في توظيف أسلوب السرد بضمير المتكلم -النواة الأولى لأسلوب الراوي الذي تتجلى فيه شخصية الكاتب وأفكاره- من خلال التحدث بلسان رفعت عن ما يحدث له في الحاضر أو ما سيحدث له في المستقبل الذي صار من الماضي. حيث الرواية تُحكي بأسلوب الراوي -بضمير المتكلم. والراوي هنا هو رفعت إسماعيل بطل سلسلة ما وراء الطبيعة التي بدئت برواية مصاص الدماء مع علم القارئ أن رفعت إسماعيل مر بالمغامرة الأخيرة سابقا (الخمسين أو الثمانين). هذا الإسلوب استخدم مرة أخرى في قصص (الآن نفتح الصندوق) لتجسيد بطلها د. محفوظ حجازي المستنسخ عن شخصية د. رفعت إسماعيل. هذا الإسلوب يسقط الخطر عن الشخصية,لأن القارئ يعرف أنها نجت من كل الأخطار المروية,ولكنه يسلط الخطر بدلا منه على الحدث نفسه وعلى الشخصيات الأخرى.

جدير بالذكر أن أحمد خالد خاض بتجربته إلى عوالم الكوميكس بصفته كاتبا في أكثر من عمل.

[4] تداعي الكلمات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في روايات مبكرة من سلسلة ما وراء الطبيعة,برع أحمد خالد توفيق في توظيف تقنية (تداعي الكلمات) لترسيخ الرعب وعي ولا وعي المتلقي داخل وخارج العمل.

"اخرج يا من تأتي في الظلام و تدخل خلسه. هل اتيت لتقبل هذا الطفل؟ لن اسمح لك بتقبيله. هل أتيت لتأخذه؟ لن أسمح لك بأخذه مني . لقد حصنته منك بعشب (أفيث)الذي يؤلمك, وبالبصل الذي يؤذيك,وبالشهد الذي هو حلو المذاق في فم الأحياء و مر في فم الاموات"

تعويذه فرعونية لحماية الطفل تنسب إلي إيزيس.

"إن الذي يكمن الشر في أحشائه،سينشر الرعب في قلوب المتطفلين"

وغير ذلك من العبارات التي تتخلل سياق الأحداث وتأتي بتأثير قوي على لاوعي الشخصيات والقراء.

[5] التشخيص

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يكمن ضعف قوي -وهو من أبرز العيوب المستمرة في أعمال أحمد خالد- في المستوى الأدبي لمنظور السرد المستخدم في رواياته,وهو أسلوب بدأ به الكاتب ولن يغيره ولكن سوف يطوره ليصير أفضل لاحقا,وليصاحبه في معظم أعماله الخيالية. أبرز تلك الأعمال هي ما وراء الطبيعة التي تتجلى فيها آفاق السرد بإسلوب الراوي لدرجة نقل شخصية الكاتب إلى البطل رفعت إسماعيل في أكثر من موضع. ولدرجة أن شخصية رفعت إسماعيل طغت علي كاتبها حتى أنها تظهر في جميع شخصيات السلسلة تقريبا,حيث تبدأ الشخصية بالتحدث بأسلوب يميزها ثم تتجه إلي أسلوب الحذلقة والتهكم بنفس طريقة رفعت إسماعيل. وتلك نقطة الضعف الكامنة في الحوار وواحدة من أهم عيوب السلسلة (عدم التباين بين الشخصيات في طريقة الكلام).

[6] اللغة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلمات بسيطة للغاية يفهمها القارئ المثقف والذي للتو اقتحم عالم القراءة,وعربية فصحى لا تتنصل من مصريتها,مع استخدام بعض المفردات الإصطلاحية مقترنة مع مقابلتها الإنجليزية دون أي رطانة أو تعالي.

وحتى إذا قابله تعبير دارج استلزم وضعه,لا يكتبه بإستخدام كلمات عامية,ومع ذلك لا يفسد روح المثل الشعبي أو التعبير الدارج. لا أذكر أن أحمد خالد استخدم كلمات عامية في أعماله القصصية أو المقالية.

[7] الإسلوب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إسلوب أحمد خالد توفيق هو المثال الحي والمثالي للسهل الممتنع,العبارة التي باتت يوصف بها كل من هب ودب وشخبط ولخبط بقلمه بأن إسلوبه سهل ممتنع,بينما هو سهل للكاتب اليوم أن يطفح الحبر في قلمه,وسهل للقارئ أن يفرغ ما في معدته.

والسهل الممتنع هو الإسلوب الأدبي أو الفكري الذي يمزج بين عمق التعبير وسهولة التوصيل.