في احدى الصباحات الجميلة من ربيع العام الماضي، كنت أجلس مع صديق لي –واحد من كبار المثقفين عندنا- نناقش بعض المسائل الفكرية، وامتد بنا الحوار للحديث عن أحد الشخصيات البارزة في الجزائر، لكن صديقي لم يكن يُكِن له مشاعر جيدة، فقال" خلينا من الكحلوش هذاك، يعيف " صدكة" المعنى: " دعينا من ذلك الأسود، إنه مقزز يشبه لاجئي نيجيريا الذين يطلبون بالصدقة"، كان الأمر مدهشا بالنسبة لي، كيف لشخص مثقف مثله أن يمارس كل هذه العنصرية على شخص مثل هذا؟ ثم كيف تسللت إلينا فكرة التلازم بين السواد والعنصرية؟ كيف أصبحت العنصرية لا شعوريا؛ جزء أساسي من تكويننا الفكري، دون أن نستطيع التخلص من عوالقها حتى بمستويات جيدة من الثقافة والعلم؟

كل هذه الأسئلة سبقني إليها فرانز فانون؛ في كتابه بشرة سوداء وأقنعة بيضاء، يقول فيه بأن العنصرية ممارسة غير عقلانية؛ ولا يمكن فهمها إلا بناء على تحليل نفسي، وهذا سبب فشل محاولاتنا لتجاوزها بالثقافة، ولا الحضارة ولا التمدن يمكن أن تسعفنا فعليا في تجاوزها، لأنها ستعود للسطح في الأوقات الجدية التي يتسرب فيها اللاشعور ويتحكم.

إذن ماهي العنصرية وكيف تشكلت؟ العنصرية حسبه وهم امتلاك القوة، تُمارس من أجل اكتساب سلطة والتمايز وفرض القوة ضد المقابل الذي نريد التسيد عليه، وأوروبا هي الأساس الأول الذي صنع العنصرية، وأقنعنا بثنائية، الأسود والأبيض، الأوربي وغير الأوروبي...إلخ، ثم كرسها بالاستعمار ولواحقه، واخرج إلينا كل الأفكار المتحيزة: معاداة السامية، الشرق المتخلف، الإرهاب، الاسلاموفوبيا...الخ ، ولا نتحدث هنا عن السياسة بل عن النزوع البشري نحو الامتلاك والتسلط.

العنصرية تعتمد على معطيات أساسية ، من أهمها اللغة بوصفها تعبيرا عن الممارسة والتفكير، فاللغة ليست محايدة بل هي مصنع الوجود والفكر، لذلك نجد كل الدول الاستعمارية تسعى لتغير لغة المستعمرات، لأحكام قبضتها عليها، كما أنها تعتمد على الجنس، فتفرق المرأة البيضاء والمرأة السوداء، والرجل الأبيض والاسود وتعطيهما حقوقا مختلفة حسب هذا التصنيف..الخ

بعد خروج الاستعمار بقيت شعوبنا تمارس لا شعوريا هذا التمييز اللغوي والجنسي واللوني، فتجد المتفرنسة يحتقرون المتعربة، والبيض يشمئزون من السود، والسود يرغبون في تغيير لونهم للأبيض...

في رأيك من أين يستمد هذا الشعور الزائف بالقوة قوته؟ لماذا مازالت العنصرية تحتفظ بإغراءاتها رغم محاربتها وانكارها؟ هل العنصرية بالفعل شيء سيء؟