صوت فتح الباب الذي سيخرج منه أهم شخصٍ في القاعة ، ينظر إلى الجميع بنظراتٍ باردة تعكس شخصيته الحادة ، قام بالجلوس و هو يُجهز نفسه لإصدار الحُكم ، امر المُتهم بالوقوف كي يُفاجئه بالمصير المُطلق الذي سيغير حياته في تلك اللحظة ، نظر إليه و قال بصوتٍ يحبس الأنفاس  

:" حكمت المحكمة حضورياً على المُتهم ناصر شاهين بالسجن المُؤبد بتهمة قتل الضحية المدعو نجيب خضار ، رُفعت الجلسة !" و صوت طرق المطرقة كان آخر صوتٍ يسمعه المتهم في العالم الذي كان يعيش فيه حُراً ، مصيره الآن هو أربعة جدران تُؤنب ضميره كّل يوم إلى أن يموت . 

الفصـل الأول : المنحرف صاحب البشرة البيضاء  

_ يوم عملٍ شاق بالنسبة للمُحاضر الأكثر شهرةً في جامعة " مجد الأمة " ، يُعرف بحسن طيبته و ذكائه الخارق في إقناع أي شخصٍ بالفعل الصحيح ، فلو وجد شخصاً يُدخن فإنه حتما سيُقنعه بالعدول عن التدخين أو أي فعلٍ طائش من شأنه أن يَعيب صاحبه ، فيقوم بالتحدث معه بتلك الكلمات الساحرة حتى يُقنعه بالعكس ، كان يتجه إلى مكتب العميد بعد أن طلب هذا الأخير منه أن يأتي بعد إنتهاء دوام العمل ، دخل إلى غرفة الانتظار إذ كان سكريتير العميد يرتشف القهوة ، شعر بالذعر حينما رأه فأسقط الفنجان من يده و قال :" أستاذ شاهين ! أعتذر عن هذه الفوضى !" 

:" لا لا ، لا تُقلق نفسك ، من الجيد أنك تُخطئ كي لا تقع في الأخطاء الفادحة ، و الجميل الذي سوف تفعله لنفسك هو إصلاح كُل خطأ من شأنه أن يجعلك تفقد وظيفتك يا فتى !" 

ضحك السكريتير ثُم قال :" أنت لطيفٌ للغاية سيد شاهين ، يُمكنك الدخول إلى مكتب العميد فهو بإنتظارك !" 

:" بُوركت يا فتى !" 

_ دخل إلى مكتب العميد فقال له :" النظارات نفسها يا حسن ! ألن تُقلع عن إرتدائها ؟" 

:" طريفٌ كعادتك ! تفضل بالجلوس يا ناصر !" 

:" حسناً ، ها قد جلست ، ألم تُفكر في طرح ما تُريد قوله مُنذ أن فتحت الباب ؟ هل ستكلف نفسك عناء انتظار جلوسي ؟" 

:" لأن الامر الذي أُفكر به ، يجعلني أتماطل هكذا !" 

:" ما كُل هذا التفكير يا سيدي ؟" 

_ قام العميد بإخراج ورقةٍ و منحها إلى السيد شاهين ثُم قال له :" خُذ هذه الورقة ، تمعن في كُل كلمةٍ فيها !" 

بعد وهلةٍ من قرائتها استغرب الأستاذ ثُم قال :" ماذا ؟ ما هذا الهراء ؟ يا إلهي الامر مُضحكٌ للغاية ! من كتب هذه الورقة ؟" 

:" سيد شاهين ، فلنتوقف عن المزاح لبرهة ، الأمر جدّيٌ للغاية ! لقد قدمها أحد طُلابك مع أوراق الإمتحان !" 

:" إذن ، ما الامر يا حضرة العميد ؟ هل أنا هُنا لإستجوابي بخصوص هذا الامر المُقرف ؟ " 

:" دعنا نتكلم من رجلٍ إلى رجل ، ما علاقتك بالطالب نجيب خضار ؟" 

:" عما تتحدث يا حضرة العميد ؟ أرى في كلامك إهانة واضحة ، كيف لك أن تُخاطبني بهذا الأسلوب ؟" 

:" تمهل سيد شاهين ، علاقتنا طيبة ، و أنت تعلم بأنني لا أتحدث مع أيٍ كان بهذا الأسلوب ، إلى جانب أنك أمهر الأساتذة في جامعتنا و هذا ما يجعلني أحترمك و أقدر واجبك المهني الذي تقوم به على أكمل وجه ، لكن سيد شاهين حينما تصل الامور إلى هذا المستوى ، سيتحتم عليّ أن أتحدث بهذه الطريقة !" 

:" لكن ما ذنبي أنا ؟ ما الذي فعلته لهذا الطالب حتى يكتب مثل هذا الكلام المُقزز عني ؟ هل أنا المُلام فيما حدث ؟ " 

:" على العكس تماماً ، بل فقط أرغب بمعرفة بعض الامور ليس إلا !" 

:" حسناً سيد حسن ، أخبرني بما تريد معرفته !" 

:" ما علاقتك بالطالب نجيب خضار ؟" 

:" لا وجود لأي علاقة بيننا سوى أنني مُدرسه ليس إلا ، لا تجمعني معه أي علاقةٍ أبداً !" 

:" حسناً ، لما قد يكتب عنك هذا الكلام واصفاً أن هنالك علاقةٌ جسدية قد حدثتْ بينكما !" 

:" جسدية !!!؟ سيد حسن ، ما الذي تقوله ؟" 

صاح بوجهه العميد قائلاً :" أجبني عن السؤال اللعين و كُف عن الصراخ !" 

:" لا توجد أي علاقةٍ بيني و بينه ، أ تفهم هذا الامر ! الحوار الذي جمعني به قد كان بسبب أنه يتحصل على علاماتٍ سيئة في الأدب العربي ، قمت بإسداء نصيحةٍ إليه و تحدثنا عن الامر مطولاً و أقنعته في النهاية أنه بإمكانه الاجتهاد أكثر ، و قد حدثت هذه المناقشة الصغيرة بيني و بينه قبل شهورٍ عدة ، لكن ما خطب هذا الفتى ؟ لماذا قام بكتابة هذا الكلام المزري عني ؟ سأطلب والديه و سأتحدث معهما !" 

:" لا تتعب نفسك بالامر ، أ تعلم لماذا ؟" 

:" لما ؟" 

:" لأنهما يعلمان هذا السر الصغير و غداً سوف يأتيان إلى الجامعة للتحدث معك !" 

:" لا أصدق ما يحدث ، هذا المنحرف يُريد توريطي بتهمة الاعتداء عليه جنسياً ، هذه المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الامر معي ، كُنت أجهل أن هنالك أشخاصاً لا يحتاجون إلى التحدث معهم ، هذه نتيجة كونك أستاذاً متفتحاً مع طُلابك ، لو كُنتُ شديداً مثل بقية الأساتذة لما كُنت في هذا المكان أقرأ هذا العبث و أسمع منك هذه النبرة في كلامك معي !" 

:" ما الذي تتوقعه مني سيد شاهين ؟ هل تريد أن أصفق لما حدث ؟ " 

:" كان عليك إحترامي كأستاذٍ في جامعتك هذه و أن تبادر بالوقوف إلى جانبي ، لكن كُل ما سمعته يُعبر عن كوني مُنحرفاً أيضاً !" 

:" عليك أن تعرف يا سيد شاهين أنني شخصياً أحترمك و أعرف جوهرك ، لكن هذه الامور لا تبشر بالخير أبداً لأنها في انتشارٍ دائم ، هل تعلم كم ضبطتْ العام الماضي من المنحرفين في جامعتي و حللت مشاكلهم بسريةٍ تامة ؟ سوف تفهم كلامي إن قُلت لك أن هنالك منحرفين من الأساتذة أيضاً قد أخفوا تنكرهم ببراعة و هذا ما جعلني مصدوماً ، و تكرار هذا الامر يجعلني أشك في كُل الأشخاص ، لكن رغم ذلك ، أرى أن لا دخل لك في مثل هذه المواضيع لأنك مختلفٌ عماً رأيتهم ، فإهتمامك بالعلم و الثقافة و ترشيد الناس يجعلك بريءٌ من هذا الاتهام ، أعذرني إن خاطبتك بتلك الطريقة و لكن ... هذا إجراءٌ يتحتم عليّ القيام به سيد شاهين !" 

:" حسناً سيد حسن ، أرجو أن تُخبرني غداً بوصول السيد و السيدة خضار إلى هُنا ، عليّ المُغادرة !"