الجوع وحده ليس المبرر الوحيد للسرقة كما كنت اظن، هناك سبب آخر قد يكون غريباً للبعض وهو (الغنى)، اشعر أحياناً أن الإنسان كلما ازدادت ثروته وغناه كان أكثر جشعاً وطمعاً وجوعاً، لدي قناعة أن طالب المال لا يشبع إلا القليل جداً ممن يجيدون التحكم في تلك الشهوة التي تجعل الغني رغم غناه يسرق وينهب دون أن يرف له جفن، وهذا لتزداد ثروته التي إن ظل يصرف منها إلى موته لن تنتهي..إذن ما السر؟
السرَّ كما جاء ذكره في كتاب (الشيطان يحكم) هو أننا لا ننظر إلى ما في يدنا إلا بعين الإزدراء والتقليل، مهما ازداد غنانا ازداد معه طمعنا، والذي نبرره بحجج واهية ک (الطموح) و (البحر يحب الزيادة) ولكنه الطمع الكائن في قلب الإنسان سريع النفوق وفي عينيه التي لن يملؤها إلا التراب.
سبب آخر واضحٌ كالشمس وهو أننا بتنا و (بدعوى الطموح) ننظر لمن هم أعلى منا شأناً فتعلمنا الطموح فعلاً ولا أنكر ذلك، ولكننا غفلنا أن ننظر لمن هم أقل منا شأنا فأقلعنا عن الشكر لما أوتينا من نعم، فتحول طموحنا لغريزة حيوانية تُسيِّرنا رغماً عنا دون أدنى تحكم أو تدبر للحقيقة.
في كتابه (الشيطان يحكم) يتناول الدكتور مصطفى محمود تلك الفكرة قائلاً:
"مهما تحقق الرخاء للأفراد فسوف يقتل بعضهم بعضا، لأن كل واحد لن ينظر إلى ما في يده، و إنما إلى ما في يد غيره، و لن يتساوى الناس أبدا، فإذا ارتفع راتبك ضعفين فسوف تنظر إلى من ارتفع أجره ثلاثة أضعاف، و سوف تثور و تحتج، و تنفق راتبك في شراء مسدسات، لقد أصبحنا أباطرة، هذا صحيح، ولكننا مازلنا نفكر بغرائز حيوانات، تقدمنا كمدينة و تأخرنا كحضارة، ارتقى الإنسان في معيشته و تخلف في محبته، أنت إمبراطور .. هذا صحيح .. و لكنك أتعس إمبراطور"
دائماً ما اسمع عن الحياة القديمة في الستينات والخمسينات وما قبلها، حيث يخبرنا الأجداد والجدات أن الخير كان وفيراً ولم يكن هناك جارٌ يبيت جوعاناً، وقد كان القِدر الذي يُطبخ فيه، فيه نصيب الجار الفلاني والعلَّاني، ووقت الحصاد لا يعمل أحد في أرض جاره بمقابل مادي بل على سبيل المساعدة رغم بساطة الحال وفقر الأنام حينها. دائماً ما كنت أتساءل، هل غنى الناس أفسد اخلاقهم وعلمَهم الطمع؟ أم أنهم تغيرو هكذا بدون سبب وبمحض الصدفة؟
والآن صديقي القارئ لدي سؤال: لماذا يجد الكثيرون صعوبة في الإكتفاء بما لديهم من مال؟ وهل توافق على فكرة أن امتلاك الكثير من المال يفسد ويعلم الناس الشر والطمع؟
التعليقات