الكاتب رحمة الله عليه قارن بين حياته فى دمنهور ونمط الثقافة المختلف عندما انتقل للعيش في الإسكندرية ثم عندما انتقل إلى أمريكا للحصول على درجة الماجستير، ببدء برصد الأحداث وينقلك من نمط إلى نمط أثناء رحلته تلك منذ أن كان طفلا إلى إنتهى من كتابة الموسوعة اليهودية وهذا العمل الذى أعطاه قسط كبير من عمره وكان مؤمنا به أشد إيمان ثم بدأ يوضح لك كيف بدئت فكرة كتابة الموسوعة وكيف هى تختلف عن غيرها من الموسوعات فهى ليست مدشونة بالمعلومات وانما هى معلومات تم تفكيكها ثم حصل منها على معرفة وهنا يوضح الكاتب رحمة الله عليه إحدى سلبيات التعليم التى تقوم على المعلوماتية تخزين المعلومات فقط دون وجود منهج واضح لربط تلك المعلومات ومن ثم الخروج منها بمعرفة، ويفسر هذا خوف كثير من الطلبة في مرحلة الماجستير من مناقشة أفكارهم مع زملائهم خوفا من سرقة تلك المعلومات بينما صاحب المنهج دائما فى نقاش وحديث مع زملائه، يناقش الأفكار ويحاول ربطها بالواقع الذى كان يعيشه، فحكى أنه كان فى أمريكا عام ١٩٦٠ وكان نمط الثقافة إلى حد ما محافظ ثم فى خلال عشرة أعوام عندما عاد إليها تغير الوضع وأصبحت الرأسمالية هى السائدة فى المجتمع والفكر التعاقدى، ويروى أن أخته كانت فى زيارة له وكان يقوم بنقل عفش صديق له وكانت سيدة أمريكية تجلس بالخارج فذهبت أخته تطلب كوب ماء ردت السيدة وما المقابل؟!،

_فى الحقيقة قراءة الكتاب كانت إجابة لكثير من الأسئلة التى كانت تدور فى ذهنى عن واقعنا نحن هنا لماذا صرنا إلى هذا الوضع، لماذا صار ننظر لبعضنا على أننا قيم كيف نستفيد منها، وهذا يخالف عقيدتنا الإسلامية التى تدعو إلى محبة الخير للغير ففى حديث (لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وأحاديث تحث على السعى لقضاء حوائج الناس ، وان الذى يسعى لقضاء حاجة أخيه خير له من الإعتكاف فى المسجد.

_وهذه إحدى مقتطفات الكتاب .

إن المدرسة المعلوماتية التراكمية معادية للفكر والإبداع، إنها تدور فى إطار الموضوعية المتلقية السلبية، العقل عندها آلة ترصد وتسجل ، وليس طاقة إنسانية مبدعة تعيد صياغة العالم، وهى لا تكترث بالحق أو الحقيقة؛ فهى قد غرقت تماما فى الحقائق والوقائع والأفكار المتناثرة، ترصدها من الخارج دون تعمق ودون إجتهاد وكأنها أشياء مرصوصة ، كم لا هوية له، ولذا تفقد الظواهر شخصيتها ومنحناها الخاصين.

هناك خطوط حمراء إن عبرتها قضى على ، وقد عبرت هذه الخطوط فى رسالتى للدكتوراه: طالب من العالم الثالث يتحدى الرؤى الغربية السائدة، بل يتعامل مع الحضارة الأمريكية بطريقة أنثروبولوجية محايدة، تمام كما يتعامل أى أنثروبولوجى غربى مع إحدى القبائل الإفريقية.

ثم عدت إلى القاهرة فى السبعينيات، قاهرة الإنفتاح (بعد أن كنت قد تركت ورائى فى الستينيات القاهرة"قلب العروبة النابض" وقلعة الإشتراكية العربية")، وانتقلت إلى السعودية وعدة بلاد عربية وغربية أخرى، وكل بلد انتقلت إليه كان يمثل لحظات تاريخية وحضارية الواحدة مختلفة عن الأخرى برغم تزامنها، وكان على أن أفسر كل لحظة لنفسى وأن ابحث عن نوع من الوحدة وراء التنوع، وإلا لأدركت الواقع كمجموعة من التفاصيل المتناثرة وأصبت بالجنون، أو لسقطت فى التلقى السطحى للأمور وفى الموضوعية الفوتوغرافية(وهى_فى تصورى_لا تختلف كثيرا عن الجنون أو على الأقل عن التخلف العقلى). وفى محاولة التفسير هذه، تعززت فكرة النموذج كأداة تحليلية(دون استخدام المصطلح بطبيعة الحال).

#كتاب_رحلتى_الفكرية_فى_البذور_والجذور_والثمر

#د_عبد_الوهاب_المسيرى