تبدو حياتنا كخيطٍ طويلٍ ينساب داخل متاهةٍ من الألوان والظلال لا بداية له ولا نهاية كأنها مرآةٌ خفيّة تعكس سرّ الوجود كله في هيئة رسمٍ يتداخل فيه النور بالظلمة والفرح بالحزن والميلاد بالفناء كل شيءٍ فيها يبدو عشوائيًّا لأول وهلة حتى تدرك أن العشوائية ذاتها ليست سوى حكمة إلهيةٍ لتخفي عنك دقّة الميزان الربانيّ الذي يُدير هذا الكون
نحن لا نسير في فوضى بل في طريقٍ كُتِب بعلمٍ مطلقٍ لا يُدركه بصر ولا يبلغه فكر نحن مخلوقون لنمشي في هذا الممرّ الضيّق بين قدرين بين ما كُتب لنا وما نختار نحن بأيدينا نحن المخيّرون في إطارٍ من التسيير نمتحن بالمنع والعطاء وبالغياب والحضور فكل خطوةٍ نخطوها تُخبرنا أن وراءها حكمةً لا تراها أعيننا الآن ولكنها تتجلى حين نبلغ نهاية الطريق
كم تشبه هذه الخيوط أعمارنا حين تتشابك وتضيع معانيها في زحمة الألوان فلا نعرف أيُّها يقود إلى النور وأيُّها يُفضي إلى الغفلة نحسب أننا نصنع مصيرنا ولكننا في الحقيقة نُنفّذ سطرًا من قصيدةٍ كتبها الله بحبر الرحمة والحكمة والابتلاء نغرق في التفاصيل نُحب ونفقد ونفرح ونبكي كألوانٍ تتراقص على حافة الفناء حتى نصل إلى تلك النقطة البيضاء في نهاية الطريق حيث تذوب كل الألوان وتخرس الأصوات وتنطفئ الأنا فلا يبقى إلا وجه الله الحق
تلك هي الحياة لوحةٌ إلهية لا تُفهَم إلا عندما تنتهي ولا يُدرك سرّها إلا من نظر إليها بعين الإيمان فعرف أن كلّ ما فيها لم يكن عبثًا بل دلالةٌ على أن خالقها أرادنا أن نسير إليه بخطوطٍ ملتفّة ولكنها جميعًا تنتهي إليه.
هيثم سليمان 🍀
التعليقات