اتصلت بي في أطراف الثالثة فجرا ...وقالت: هل أنت متفرغة؟! قلت: ما الموضوع؟ 

قالت: لقد عرفت أنه يخونني مع أخرى، قلت: وكيف عرفت؟ قالت: وجدته يتابعها في الفيسبوك ويتبادلان التعليقات والقلوب، وعندما أحدثه عنها ينكر أنه يعرفها، والآن لا يسمح لي بفتح هاتفه كي لا أكشفه! إنها واحدة من صديقاتي اللواتي يرين الحب والخيانة من منظور سينمائي، الحب على مقاييس كوكب زمردة، ولي صديقة أخرى ترى أن زوجها له الحق في أن ينظر إلى أخريات ويزاملهن ولا مشكلة عندها في أن تكون لديه صديقة مقربة مادام في نطاق محترم! لأنها ترى أن هذا هو الواقع.

إنه موضوع واحد تراه الأولى من زاوية رومنسية حالمة مثالية والثانية تراه من زاوية واقعية تبدوا جامدة وباردة، فمن هي صاحبة الموقف الأصح؟ ولماذا هذا التناقض بين الواقعي والمثالي؟

إذا تحدثنا عن المثالية والواقعية في الفلسفة فلا يوجد أهم من مصارعة هيجل وماركس، فقد ادعى هيجل كما جُل الترسانة الفلسفية التي سبقته أن الحقيقة مثالية، وأن الأفكار الصحيحة هي ترنسندنتالية متعالية عن الواقع، لأن الفكر يسبق الواقع، لذلك فالفكر هو من يصنع الواقع بالضرورة والفكر عنه قائم على التاريخ، لكن جاء ماركس ليقلبه على رأسه تماما، ويقول بأن الواقع هو الحقيقة الوحيدة، وأنه هو من يصنع الأفكار، فالواقع وبالتحديد المادة هي من ترسم الطريقة التي نفكر بها وليس العكس.

لذلك يقول ماركس أن الوعي هو تشكيل عن صورة المادة وانعكاس لها، وبالتالي التجربة الواقعية هي من تحدد بنيتنا الفوقية، لذلك يقول ماركس إنه إذا أردنا أن نغير العالم علينا أن نغير الواقع الذي نعيش فيها حتى تتغير عقلياتنا ثم العالم ككل، في حين أن هيجل يعتقد أن تغير العالم هراء، وأن بداية أي تغيير تكون من فكرنا لأنه هو من سيحرك التاريخ ويغير وجه العالم بعدها، وسيشتد الصراع بين الإثنين حتى تخلد مقولة : "ماركس قلب هيجل على رأسه" كدلالة على تعصب كل من المثالية والواقعية لرأيه.

في النهاية صديقتي الأولى ستحب هيجل كثيرا، والثانية متواطئة مع ماركس، وأنت من تشجع؟ هل ستكون 2023 سنة للاختيارات الواقعية أم المثالية بالنسبة لك؟ وفي رأيك هل توجد طرق للتوفيق بينهما؟