هل الإنسان مُخيّر أم مُسيّر؟


الإنسان يعيش في دائرتين: دائرة يسيطر عليها (مخيّر) ودائرة تسيطر عليه (مسيّر).

"فالأفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر عليه، لا دخل له بها ولا شأن له بوجودها، وهي قسمان: قسم يقتضيه نظام الوجود، وقسم تقع فيه الأفعال التي ليست في مقدوره والتي لا قِبَل له بدفعها ولا يقتضيها نظام الوجود.

أما ما تقتضيه أنظمة الوجود فهو يخضع لها ولذلك يسير بحسبها سيرًا جبريًا لأنه يسير مع الكون ومع الحياة طبق نظام مخصوص لا يتخلّف. ولذلك تقع الأعمال في هذه الدائرة على غير إرادة منه، وهو فيها مسيّر وليس بمخيّر.

فقد أتي إلى هذه الدنيا على غير إرادته، وسيذهب عنها على غير إرادته، ولا يستطيع أن يطير بجسمه فقط في الهواء، ولا أن يمشي بوضعه الطبيعي على الماء، ولا يمكن أن يخلق لنفسه لون عينيه، ولم يوجِد شكل رأسه، ولا حجم جسمه، وإنما الذي أوجد ذلك كله هو الله تعالى دون أن يكون للعبد المخلوق أيّ أثر ولا أية علاقة في ذلك، لأن الله هو الذي خلق نظام الوجود، وجعله منظِّمًا للوجود، وجعل الوجود يسير حسَبه ولا يملك التخلّف عنه.

وأما الأفعال التي ليست في مقدوره، والتي لا قبل له بدفعها، ولا يقتضيها نظام الوجود فهي الأفعال التي تحصل من الإنسان أو عليه جبرًا عنه، ولا يملك دفعها مطلقًا، كما لو سقط شخصٌ النار على طير فأصابت إنسانًا لم يكن يعلمه فقتله، وكما لو تدهور قطار أو سيارة أو سقطت طائرةٌ لخلل طارئ لم يكن بالإمكان تلافيه فتسبب عن هذا التدهور والسقوط قتل الركّاب، وما شاكل ذلك، فإن هذه الأفعال التي حصلت من الإنسان أو عليه، وإن كانت ليست مما يقتضيه نظام الوجود، ولكنها وقعت من الإنسان أو عليه على غير إرادة منه، وهي ليست في مقدوره فهي داخلة في الدائرة التي تسيطر عليه فهذه الأفعال كلها التي حصلت في الدائرة التي تسيطر على الإنسان هي التي تسمى قضاءً، لأن الله وحده هو الذي قضاه.

ولذلك لا يحاسب العبد على هذه الأفعال مهما كان فيها من نفع أو ضر أو حب أو كراهية بالنسبة للإنسان، أي مهما كان فيها من خير وشر حسب تفسير الإنسان لها.

[...]

أما الدائرة التي يسيطر عليه الإنسان فهي الدائرة التي يسير فيها مختارًا ضمن النظام الذي يختاره، سواءٌ شريعة الله أو غيرها، وهذه الدائرة هي التي تقع فيها الأعمال التي تصدر من الإنسان أو عليه بإرادته، فهو يمشي ويأكل ويشرب ويسافر في أي وقت يشاء، ويمتنع عن ذلك في أي وقت يشاء، وهو يحرق بالنار ويقطع بالسكين كما يشاء، وهو يشبع جوعة النوع، أو جوعة الملك، أو جوعة المعدة كما يشاء، يفعل مختارًا ويمتنع عن الفعل مختارًا، ولذلك يُسأل عن الأفعال التي يقوم بها ضمن هذه الدائرة."

آثرت أن أنقل هذه الفقرات لأنها توضح بأبلغ العبارة ما تسأل عنه، وهي من كتاب "نظام الإسلام" لتقيّ الدين النبهاني.

مشكور صديقي جوابك كان شافياً هذا ما أردت معرفته


حدثني أكثر عن الإسلام

ببساطة .. مجتمع يتحدث عن الحضارة و الأخلاق والأفكار الاسلامية في تنمية وتطوير المجتمع ستكون مشاركتك هنا بمثابة صدقة جارية، بكتابة ومشاركة الاحاديث و الدروس التي تود نشرها لنشر الود و المعرفة.

5.61 ألف متابع