ليس لدي مشكلة مع الدين كمفهوم وسلوك يُمارس في المجتمع، لكن لدي مشاكل هائلة مع بعض المتدينين الذين أسائوا فهم الدين وتطبيقه. بالنسبة لي، الدّين هو العلاقة بين الإنسان وإلهه، أي هو الطريق المُنظِم والضابط لهذه العلاقة، إذا فهو مرتبط بالإنسان وربّه حصراً. لكن نجد الكثير من المعاتيه الذين يحاولون دائماً فرض إيمانهم ومعتقداتهم وأفكارهم على الآخرين، ويحاولون باستمرار تحديد ما هو مسموح على الآخرين القيام به وما هو ممنوع. متدينون وقحون متعجرفون يريدون التطفل على الآخرين والعبث معهم، يتعاملون مع الدين وكأنّه مُلكاً خاصاً بهم ليس بالإله، وكأنّهم المسؤولون عن هذا الدين وانتشاره وتطبيقه وازدهاره، يحسبون بأنّهم آلهة مصغرة لديهم السلطة والصلاحية لفرض ما يريدون ولمنع ما لا يريدون. لهؤلاء المعاقين أقول فلتدعونا وشأننا، دينكم أو مذهبكم أو إيمانكم هو شأن خاص بكم، وهو محصور بينكم وبين ربّكم، لذلك لا داعي لأن تزعجوننا بفضولكم الوقح وتطفلّكم التسلطي، عيشوا ودعوا الآخرين يعيشون!
هراء مستفحل في الدين
تكلّمت عن الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم وكلاء الله الرسميين على الأرض
لا يوجد شخص متدين يعتبر نفسه "وكيلا في الأرض" بالنظرة التي تنظر لها.
بل هناك دين قد وضع قوانين والتي يُفترض أن تتبعها إن كنت على نفس هذا الدين.
و الذين يأمرونك بالمعروف و ينهونك عن المنكر ما هم إلا بمطبقين لهذه القوانين وهم لم يأتوا بها من عندهم إنما كلها موجودة في القرآن و الاحاديث وبالأدلة و هم أول الناس الذين يُلزمون بهذه القوانين و عليهم تطبيقها بمن فيهم الخليفة نفسه (أتحدث هنا عن الخلفاء الراشدين) و من حقك مطالبة الخليفة بالدليل على ما يقوم به من الكتاب و السنة.
لذا إن كنت مؤمنا بهذا الدين فعليك أن تشكرهم لجعلك تعيش وفقا لهذا القانون, أما إن لم تكن مقتنعا بهذا الدين فللأمر قصة أخرى.
لا يوجد شخص متدين يعتبر نفسه "وكيلا في الأرض" بالنظرة التي تنظر لها.
بلى هناك أشخاص متدينين يعتبرون أنفسهم وكلاء الله في الأرض، لأنّ تديّنهم مشوّه ومغلوط.
و الذين يأمرونك بالمعروف و ينهونك عن المنكر ما هم إلا بمطبقين لهذه القوانين
لم يطلب أحد من هؤلاء أن يكونوا حراساً على الدين أو المسؤولين عن نشره.
لذا إن كنت مؤمنا بهذا الدين فعليك أن تشكرهم لجعلك تعيش وفقا لهذا القانون,
أنا مؤمن بهذا الدين وأشكر الله على الهداية، لا يوجد بين الله وعباده واسطة وهو أصل الهداية والمعرفة، القرآن والسنة الشريفة كافيين لإيصال القوانين ونشر الدين.
لم يطلب أحد من هؤلاء أن يكونوا حراساً على الدين أو المسؤولين عن نشره.
إليك الجواب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿آل عمران: ١٠٤﴾
اما بالنسبة لقولك
القرآن والسنة الشريفة كافيين لإيصال القوانين ونشر الدين
إليك هذا المثال: شخص مسلم لكنه يبيع الخمر و هو يعلم أن بيعها حرام و لا يجوز لكنه يبيعها تهاونا فهل يُترك مثل هذا على حاله يبيع الخمر؟
كلا, بل هنا يجب أن توجد طائفة من المسلمين تكون مسؤولة عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (جهة شرعية يعترف بها الجميع) و تقوم بتنبيه الرجل بأسلوب حسن و تأمره بإغلاق المحل فإذا إستجاب فخيرا و إذا لم يستجب وجب إغلاق المحل بالقوة لقول الرسول (صلى الله عليه و سلم) :
من رأى منكم منكرًا فلْيغيرْه بيده فإن لم يستطعْ فليغيره بلسانه فإن لم يستطعْ فلْيغيرْه بقلبِه وذلك أضعفُ الإيمانِ
و هو حديث صحيح.
و هذا ما ذكر في الكتاب و السنة, وكما قلت أنت كافيين لإيصال القوانين وعلينا نحن أن نطبقها ويجب أن يكون هناك من هو مسؤول عن تطبيق هذا القانون هذا ما مذكور في ديني و أنا لا آخذ بما يقوله الليبراليون أو العلمانيون فهم ليسوا من نأخذ منهم ديننا.
لهذا قلتُ إن كنت مسلما متبعا لهذا الدين حقا وجب عليك ترك الأهواء و إتباع ما أمر به الإسلام.
و للعلم فأنا ضد الأسلوب الجاف في الدعوة و لا أؤيد هذا الأمر.
هل لديك شيء يثبت لماذا لم تقتنع؟
يعني آيات أو أحاديث؟
عموما أنت حر إفعل ما تريد فكلنا محاسبون على ما نفعل.
هناك آيات قرآنية عديدة:
"لا إكراه في الدين"
"من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
"إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء"
"يا أيّها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"
"فذكر إنما أنت مذكر . لست عليهم بمسيطر"
"أنلزمكموها وأنتم لها كارهون"
"وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ"
وهل ترى الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر يذهبون الى المسيحي مثلا و يقولون له إما أن تسلم و إما أن نتعامل معك بطريقة أخرى!؟
ولا تعارض بين الآيات التي ذكرتها وبين أمر المسلمين بالمعروف ونهيهم عن المنكر فهذه الآيات في المشركين حسب ما أعتقد أو الكفار.
وإليك ما قاله أبو بكر الصديق (رضي الله عنه):
قوله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ ) روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ ) وتضعونها في غير موضعها ولا تدرون ما هي ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه " .
وفي رواية " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليستعملن الله سبحانه وتعالى عليكم شراركم فليسومنكم سوء العذاب ، ثم ليدعون الله عز وجل خياركم فلا يستجاب [ لكم ] " .
قال أبو عبيد : خاف الصديق أن يتأول الناس الآية على غير متأولها فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف [ والنهي عن المنكر ] فأعلمهم أنها ليست كذلك وأن الذي أذن في الإمساك عن تغييره من المنكر ، هو الشرك الذي ينطق به المعاهدون من أجل أنهم يتدينون به ، وقد صولحوا عليه ، فأما الفسوق والعصيان والريب من أهل الإسلام فلا يدخل فيه .
وهل ترى الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر يذهبون الى المسيحي مثلا و يقولون له إما أن تسلم و إما أن نتعامل معك بطريقة أخرى!؟
أخي الكريم، إن كان المُسلم - حسب الآيات التي ذكرتها أعلاه - غير مطالب بأمر، المسيحي واليهودي والكافر والملحد وجميع أتباع الأديان الأخرى، بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهم أولى الناس بذلك، فكيف يكون مطالباً بأمر المسلم بالمعروف ونهيه عن المنكر؟! أوليس الفئات الأولى التي ذكرتها أولى بأن تُأمر بالمعروف وتُنهى عن المنكر كونها فئات ضالة حسب الشرع الإسلامي؟ أرجوك قليلاً من المنطق.
وبالنسبة لقول صدّيق الأمّة رضي الله عنه، فأنا ليس لدي أي اعتراض عليه، وهو كلام كان صائباً جداً وقت قوله، ديننا ليس جامداً بل ليناً ويتماشى مع تغيرات ومتطلبات العصر، هذا الكلام لم يعد قابلاً للتطبيق الآن خاصة في ظل الغضب العالمي على الإسلام وتفتّح العيون علينا، نحنُ الآن لسنا مطالبين سوى بكف آذانا عن الآخرين - سواء المسلمين أو غير المسلمين - على الأقل لحين استرجاع سمعتنا الطيّبة التي شوهتها دول كبرى حاكمة للعالم وبعض الإسلاميين المستأجرين من قبلهم. أرجو أن تكون وجهة نظري قد اتضحت لك :)
أخي الكريم، إن كان المُسلم - حسب الآيات التي ذكرتها أعلاه - غير مطالب بأمر، المسيحي واليهودي والكافر والملحد وجميع أتباع الأديان الأخرى، بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهم أولى الناس بذلك، فكيف يكون مطالباً بأمر المسلم بالمعروف ونهيه عن المنكر؟! أوليس الفئات الأولى التي ذكرتها أولى بأن تُأمر بالمعروف وتُنهى عن المنكر كونها فئات ضالة حسب الشرع الإسلامي؟ أرجوك قليلاً من المنطق.
يبدو بأنك لم تفهم قصدي, أنا لم أقل بأن المسلم غير مُطالب بنصحهم و الحرص على هدايتهم, لكني قلتُ بأن المسلم خصوصا الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر غير مُطالبين و لا يجوز لهم *إجبار الناس من غير المسلمين على الدخول بالإسلام وما يؤكد كلامي الآيات التي ذكرتها أنت أي ننصحهم ولكن لا يضرونا إذا لم يستجيبوا لنا.
التعليقات