وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾... الهداية التي تهطل على القلوب في زمن المصائب

قال الله تعالى:

﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِۗ وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُۥۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن: 11]

إنها آية تعزية وتثبيت، تفتح أبواب الرضا، وتربط القلب بالله لا بالأسباب، وتمدّ يد العون من السماء إلى كل مبتلى على الأرض.

✦ ما معنى: ﴿يَهْدِ قَلْبَهُ﴾؟

أي: يُلهمه السكينة، ويرزقه التسليم، ويرشده إلى الصبر، ويثبّته على الرضا.

قال الإمام الطبري:

"يهدي قلبه إلى اليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فيُسلم لأمر الله ويرضى."

وقال العلامة السعدي:

"أي يرزقه العلم بأن المصيبة من عند الله، فيُسلم لأمره ويرضى بقضائه، فيطمئن قلبه، وتسكن نفسه."

✦ متى تحصل هذه الهداية؟ وما شروطها؟

الهداية هنا ليست عامة لكل الناس، بل هي هدية خاصة لمن اجتمعت فيه ثلاثة أمور:

1. الإيمان بالله: ثقة ويقين وحسن ظن.

2. التصديق بأن المصيبة بإذن الله: لا جزع، لا اعتراض.

3. الرضا أو الصبر على الأقل: لا تسخط ولا يأس.

فإذا تحقق هذا، نزلت على القلب سكينة لا تشبهها سكينة، وهداية لا يذوقها إلا المؤمنون.

✦ الهداية في لحظة المصيبة... ليست معلومة، بل حالة!

من الناس من يعرف أن "كل شيء بقضاء وقدر"، لكنه لا يشعر بذلك لحظة البلاء.

أما من هداه الله قلبه، فإنه يجد طعم الرضا، ويعيش الطمأنينة، حتى وهو في عُمق الألم.

تأمل في دعاء النبي ﷺ:

"اللهم إني أسألك قلبًا سليمًا"

لأن سلامة القلب ليست في خلوّه من الهم، بل في ثباته عند الابتلاء.

✦ من أمثلة من هُدي قلبه:

أم سلمة رضي الله عنها لما مات زوجها، قالت ما علّمها النبي ﷺ:

"اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها."

فهدى الله قلبها، حتى كانت زوجًا لرسول الله ﷺ.

يوسف عليه السلام حين أُخذ من والده صغيرًا، وأُلقي في الجبّ، ثم بيع، ثم سجن...

لكنه بقي مستسلمًا لله، فكان جزاؤه:

"وكذلك مكّنا ليوسف في الأرض".

✦ ثمرات هداية القلب عند المصيبة

سكون القلب، ولو اهتزّت الأرض.

السلامة من الشكوى المذمومة والاعتراض.

التسليم لله، والرضا بقضائه.

حسن الظن، وانتظار الفرج.

أن تصبح المصيبة نفسها باب قربٍ من الله.

✦ خلاصة المقال

قوله تعالى:

﴿وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾

ليس وعدًا نظريًا، بل هو واقع يعيشه كل عبد ربط قلبه بالله في ساعة البلاء.

فإذا أردت أن تُهتدى في الحيرة، وتثبت في المصيبة، ويُنزل الله على قلبك السكينة...

فاجعل الإيمان بالله هو أول ردّة فعل، وقل:

"قدّر الله، وما شاء فعل".