﴿حق تقاته﴾.. التقوى كما يريدها الله. لا كما نظنها نحن!

﴿ٱتَّقُوا ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ﴾… ما معنى "حق تقاته"؟

في هذه الآية الكريمة من سورة آل عمران، يخاطبنا الله عز وجل بقوله:

﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]

إنها وصية عظيمة تبدأ بنداء الإيمان، وتنتهي بنداء الختام الحسن، وتجمع بين أعظم مقصدين: التقوى والخاتمة الطيبة.

لكن السؤال هنا:

ما معنى "حق تقاته"؟ وهل يستطيع الإنسان أن يحقق هذا الحق؟

معنى "حق تقاته"

"حق تقاته" أي: التقوى التي تليق بعظمة الله وجلاله وكماله، والتي تكون على الوجه الأكمل.

وقد فسّرها جماعة من السلف:

• قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

"أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر."

وهذا تفسير جامعٌ يشير إلى تمام الاستسلام لله في القول والعمل، ظاهرًا وباطنًا.

✦ هل يستطيع العبد أن يتقي الله "حق تقاته"؟

سؤالٌ مهم، وقد كان الصحابة يخافون من هذه الآية! فقد ثبت أن هذه الآية نزلت أولًا بهذا اللفظ، فشقّت على الصحابة، فخفف الله تعالى بقوله:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]

فأصبحت الآية في آل عمران محمولة على النية والاجتهاد، أي: ابذل وسعك وطاقتك في تقوى الله، واصدق النية، والله يعذرك فيما لم تقدر عليه.

قال ابن كثير:

"هذه الآية منسوخة بقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، ومعناها: لا تألوا جهدًا في طاعته وتقواه."

✦ ملامح من حق التقوى في حياة المؤمن

لكي يكون العبد على طريق "حق التقوى"، فهناك علامات تدل على صدقه، منها:

1. الإخلاص في كل عبادة، لا يرجو بها إلا الله.
2. الخشية في السر والعلن، لا يختلف باطنه عن ظاهره.
3. المراقبة، يحاسب نفسه قبل أن يُحاسب.
4. دوام الاستغفار، لأنه لا يرى عمله كافيًا.
5. الاجتهاد في الطاعة مع دوام الخوف من القبول.
6. ترك المعصية حياءً من الله قبل أن يكون خوفًا منه.

✦ الصلة بين "حق تقاته" و"أن تموتوا وأنتم مسلمون"

في نهاية الآية، قال تعالى:

﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾

وهي دعوة لأن تكون خاتمتك على الإسلام، ولا تكون كذلك إلا إن عشت على التقوى!

فمن عاش على الاستقامة، قاده الله لخاتمة حسنة، ومن استهان بالتقوى، خاف أن يُختم له بخاتمة السوء.

✦ خلاصة المقال

"حق تقاته" ليست كلمة سهلة، بل هي منهج حياة. وهي تعني:

• أن تُعطي الله من قلبك وخشيتك وإخلاصك أعظم ما تستطيع.
• أن لا ترضى بالقليل من الطاعة، ولا تأمن مكر الله.
• أن تكون في كل حالك عبدًا لله، مستسلمًا له، خاشعًا خاضعًا.

فيا من تريد أن تموت مسلمًا: اتقِ الله حق تقاته… يثبتك الله عند الموت، ويبعثك على الإسلام.