عايز أحكي لك جانب من قصة سيدنا يوسف.. هعرض عليك جانب مُهم جدًا.. ركز معايا.. أثناء إقامته في السجن بعد مكائد زُليخة.. قبّع في السجن لوحده.. عايزك بس تتخيل مدى الظُلم الي هو حاسس بيـه ومدى تأزمه في بلاد هو غريب عنها أصلاً.. مش شبـه أهلـها، ولا هُما شبـهه، مفيش حد من أهله حواليـه.. ودخل معاه اتنين في الزنزانة بتاعتـه، كانوا شغالين عند الملك.. الليل طويل بين أربع جُدران، زنزانة لا يعبُر منها إلا حثيثًا من الضوء، وهو وحيد، وحيد بشدة، في بلاد بعيدة، وبعيد عن أبيـه، يتيم الأم يوسف عليه السلام كان حاسس بضيق.. الاتنين الي دخلـوا مع سيدنا يوسف دول مُتهمين بالخيانـة العُظمى للملك، واحد منهم الساقي وواحد منهم الخباز الخاصين بالملك.. وواضح إن كان في مُحاولة حقيقيـة لقتل الملك من خلال تسميمه والاتنين دول مشكوك فيهم.. الاتنين دخلـوا السجن لحد ما يتبيّن مين فيهم المُتهم الحقيقي.. والاتنين عمالين يتهموا بعض ويرموا التُهمة على بعض.. بُص على الرغـم من كل الضيق الي سيدنا يوسف فيه، من تاريخ يضيق له الصدر لما دبر له اخوته المكائد وتسببوا في الهُجران الي هو فيـه، والوحشة في قلب السجن.. والي حصل في قصر العزيز مع زُليّخـة، عايزك تتخيّل شعوره بس.. فنشوف منّ الله على عبده المُحسن "يوسـف" كان في قـُدرته على تفسير الأحلام.. والي هي بمثابة قُدرة خـارقـة.. فالاتنين المُتهمين دول جات لهم رؤيا وهُما نايمين وراحـوا يحكوها لسيدنا يوسف عليه السلام.. قال الأول: إني أراني أعصر خمرًا.. قال الآخر: إني آراني أحمل فوق رأسي خبزُ تأكل الطير منهُ. فكان هذا الخطاب العجيب الذي ألقاه يوسفُ على الفتيان.. خطاب كامل يا رفيق عايزك تركزّ فيـه.. بسم الله الرحمن الرحيم { قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} (37) يوسف سيدنا يوسف قبل ما يُقدم التفسير مُباشرةً قدم لُهم شرح للمُعجزة نفسها فقال، إن تفسير أي رؤيا هو قادر عليها ما هو إلا نعمة علمها لهُ الله.. يعني أنا مش عراف ولا دجال، ولا مُشعوّذ إنما الي هقوله ده تفسير من عند الله.. ختام الآية ب "كــافرون" للدلالة على تعريف الكُفر الي سبقـه.. فسياق الكلام يعني بيقول إن سيدنا يوسف قال لهم إنه ساب عقيدة الناس الذين لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر ويعيشون في الأرض بلا هدف، ولا يعتقدون بالثواب والعقاب، واصفًا إياهم بالكافرون .. وإن مُكافأة الله لُه كانت هي نعمة قدرته على التفسير والتأويل للرؤى.. بس بعيدًا عن سياق القصة.. شايف آخر كلمة في الآية دي الي هي "كافرون" .. ركز معايا وحُطها في راسك وأنتَ بتقرأ.. المُهم بيكمل سيدنا يوسف فيقول.. بسم الله الرحمن الرحيم .. { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } (38) يوسف هنا سيدنا يوسف بيكمل خطابه في الاتنين ويحكي لهم عن عقيدته.. يوضح لهم ويبيّن لهم وصف أكثر الناس أنهم لا يشكرون، لأنهم مش حاسين بالنعم الي هُما فيها.. في إشارة يعني إن على الرغم من كل النعم التي تُحاوط الجميع إلا إن في الغالب الإنسان لا ينظُر إلا ما ينقصـه.. ويتناسى أن يشـكُر الله.. ويُكمِل.. بسم الله الرحمن الرحيم { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (٤٠) يوسف وهنا بيكمل ويوضح إن كل الآلـهة الي عبدها الإنسان ما هي إلا أسماء.. في إشارة واضحة لقصة بداية الخلق لما رب العالمين علَّم آدم الأسماء وهنا بنشوف مدى فداحـة الإنسان في عبادته لدون الله.. هو في الأساس يعبُد من هُم دون الإنسان أصلاً، وفي ذلك دُنوًا وتحقيرًا لذاته.. وفي الأخير وصف من يعبدون من دون الله أسماءًا بأنهم لا يعلمون.. ولو جمعت آخر كل كلمة من كل آية فاتت هتلاقي ما يلي.. كافرون لا يشكرون لا يعلمون.. ركز يا رفيق.. أنت هنا قدام خطاب عقائدي مُهم جدًا بالغ التعقيد بيتكلم عن وحدانية الله ومُقارنة سريعة ما بين الكافرين الذين لا يشكرون ولا يعلمون.. معنى ذلك أن المُؤمنين لازم يكونوا إيه، يشكرون ويعلمون لا يجهلون.. مُدركين حجم القضية العقائدية وأهميتها وضرورة شُكر الله عليها فيُنعم عليهم الله بنعمٍ لا يتخيلونها.. في حالـة سيدنا يوسف وكونه نبي كانت تأويل الأحلام.. المُهم بعد الخطاب ده وضّح لهم حقيقـة الأمر وفسر لهم الرؤيا.. بسم الله الرحمن الرحيم.. { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) } يوسف .. في ولحد فيكم هينجو ويرجع يسقي الملك خمرًا. الآخر يُصلب فتَأْكُلُ الطير منْ رأسه!. ولسّه عقيدة سيدنا يوسف قوية.. لأن تأويله للحلم والرؤيا مكنش توكيدي بالنسبة لذاته.. لأنه لا يزال عبدًا مش إلـه، لا يعلم الغيب، وتقع الأمور في نصب الظنون.. فراح كلم الي هو "ظَنّ" أنه هينجـو وقاله اذكرني عند ربك.. وبالفعل بعد التحقيقـات اكتشفـوا إن الخباز هو المُتهم الحقيقي وخرج الساقي.. رجع سيدنا يوسف للظُلمة والوحدة والوحشة في ربوع السجن وحيدًا.. ونسى الساقي إنه يُذكر سيدنا يوسف عليه السلام عند الملك، نسى بفعل الشيطان لكن مش بعيد عن قُدرة ربنا.. كان ربك قادر يخرجـه في الوقت ده ويفكر الساقي لكن الله عزّ وجل مأرادش لسيدنا يوسف يخرُج كده.. تدبير ربك خرجه وهو في مكانتـه ومحافظ على روّنقـه.. لما احتاجـه الملك في تأويل حلم بعد كده.. يعني ربنا دبر الحاجة لسيدنا يوسف ودبر له الخروج بشكل يليق بـه يوصله أنه يكون عزيز مصر.. العجيب بقى إن قدوم سيدنا "يوسف" لمصر كان سببـه "رؤيا".. وبقاءه قي السجن بضع سنين بدأ من تفسير "رؤيا" الساق.. وعملية خروجه من السجن بدأت من خلال "رؤيا" ملك مصر.. والأعجب أن رحلة خروج بني إسرائيل من مصر كانت من خلال "رؤيا" لفرعون مصر بعد ذلك .. وده في قصة سيدنا موسى