في نقطةٍ ما في مجتمعه الضيق يظن الإنسان أنه وصل لأفضل نسخة من الحياة، يبني تصوراته و أفكاره عن الآخرين فقط من زاويته الضيقة .. ويحاول أن يسقط تلك الصورة على أنها الحقيقة الكاملة... ثم يحدث أن يسافر أو يرتحل أو يبتعد قليلًا عن مجتمعه الضيق لرحابة الكون، ليستكشف، ليعرف، ليتعلم، ليُعلم، ليتغير ... لذلك كانت الرحلة

خمس سنوات ونحن نسير في أرض الله الواسعة بعد أن ضاقت علينا بلداننا أو حتى تلك التي كنا نحسبها أنها بلداننا .. ضاقت فتركناها خلفنا مرغمين لامخيرين، كتبنا الأشعار حينها وذرفنا الدموع.. يستعيد الشخص تلك الذكريات، يقف قليلًا عندها ثم يبتسم بثقة " الحمدلله الذي هدانا لهذا الدرب وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا "

سير ياصديقي في أرض الله لترى خلق الله، لترى الناس ولغاتهم وثقافاتهم وأديانهم وعاداتهم وأشرابهم وأعلامهم.. لتدرك أن الحياة أكبر وأعظم وأشمل من أن نحصر الكون ونظن أننا مركزه.

الغربة ياصديقي مصنع الرجال.. أنت أنت سَتَظهر حقيقتك، وتعلم أصلك.. لا أحد يعرفك هنا، ستنزع مكرهًا كل تلك الألقاب والأسماء والأفكار التي أتيت بها.. دعها جانبًا ولتبدأ من جديد وهنا المحك.

سافر ياسيدي وتغرب ليأخذك الحنين، ويداهمك الحزن .. هنا ياصديقي لا أحد سيسأل عنك، ولا أمٌ رؤوم ستعتني بك، ولا أختٌ حنون ستطهو لك، ولا صديقٌ صدوق يقف بجانبك.. فقط ستسير وتسقط ثم تنهض لتسير لتسقط مرة أخرى.. هكذا حتى تتعلم أن تسير دون عكاز.

سافر ياصديقي لتجد نفسك في غرفة ضيقة مع عشرة غرباء .. وتأكل طعامًا قذرًا وأنت تستلذ به .. وتجرب بنفسك معنى الجوع والقلق والطفش والضغط والسكر والكثييير من الشيييت، فقط حاول ألا تمرض لأن المغترب ليحيا يجب عليه ألا يمرض.

سافر ياعمي وقابل خلق الله لتعرف أن البشر ليسوا سواء.. ستقابل الطيب، والمسكين، والنصاب، والداعر، والكذاب والمنافق، والراجل، وابن الحلال، والبطيخة، والي كان شيخ في بلده ففسق، والي جاي على الغربة بالغلط.. كلهم هناك.

سافر ياعمي وانجوي وهاڤ فن، وارقص وغني، وافعل الخير وابتسم في وجوه المغتربين الآخرين، وساعد كل الناس، وأقرأ كل الكتب, وشاهد كل الأفلام، واسقي الأزهار وبلاش تستخدم بلاستيك كثيير لأن الأرض بتتأذى من ذلك.

سافر ياصديقي ولا تنسى الله.

ماذا عنك هلّا أخبرتنا بتجربتك؟