المثل العربي المشهور "الله خلق لك أذنين ولساناً واحداً، اسمع ضعف ما تتكلم" ربماً يمكن تطبيق العملية الحسابية ذاتها المستخدمة فيه في مكان آخر "الله خلق لك عينين وعشرة أصابع، اكتب خمسة أضعاف ما تقراً".
لا تفهم خطأً أني أشجعك أن تتخذ الكتابة مهنة، أو هواية، أو أسلوب حياة، وإنما عليك أن تعاملها كالواجب اليومي الذي عليك فعله كل يوم قبل أن تنام، تعرضه على نفسك، ومن ثم تفعل به ما تشاء، لا يهم، المهم هو فعلك الأساسي "الكتابة".
سأتحدث هنا عن تجربتي في الكتابة، وما قدمه لي كتابة صفحة واحدة على الأقل يومياً، ومن هذه التجربة يمكنك أن تستنج أسباب دعوتي لك للكتابة.
عندما بدأت في الكتابة، لم أعتقد أن أحداً سيقرأ، لم اؤمن أن للكلمات ذاك التأثير على الناس، بدأت الكتابة بنصيحة أحد معلمي اللغة العربية الذين أحبهم لتقوية الجانب الإبداعي لدي، حينها اكتشفت أنني كنت مخطئاً تماماً بما كنت أعتقد.
أول ما تعلمته من الكتابة هو عدم وجود ما ليس له قيمة، تلك الأسطر القليلة التي تكتبها لتبدأ مقالك، ثم تلغي فكرة ذلك المقال، هذه الأسطر القليلة تعطيك خبرة حياتية عشرة أضعاف قراءتك لمقال أدبي انساني فلسفي، الأسطر القليلة هذه تجعلك أوعى بميليمترات قليلة من قبل، وتراكم هذه المليمترات سيجعلك تقطع مسافات فكرية لم تعتقد أنك ستقطعها من قبل.
أن تعتقد أن ما كتبته قبل سنة هو غباء وطقولة ومراهقة هو أمر جيد، ولكن ان كانت الكتابة احدى عادات حياتك، ستجد أن ما كتبته البارحة هو طفولة ومراهقة، وهذه هي سرعة تطور عقليتك، الكتابة ستجعلك أوعى كإنسان، كل سطر تضيفه لدفترك، مدونتك السرية، مذكراتك، سيجعلك ترتقي بتفكيرك أسرع، سيتخطى عمرك الفكري أضعاف أضعاف عمرك الفيزيائي، وستجد نفسك تفهم من في الستينيات من العمر دون جهد، وتشعر بالأسى على من وصل للثلاثينيات وهو يعيش بعقلية المراهقة.
ستجد نفسك راغباً بنشر ما تكتبه، الشعور بالرضى عما تكتبه الآن سيدفعك لتضخيم هذا الشعور، اعجاب الناس بما تكتب سيدفعك الى الأمام، ومهما كان أسلوبك سيئاً في البداية، ربما سيتم نقدك دون رحمة، ولكن القلة من الأشخاص الذين سيعجبهم ما تكتب، اولئك من يهمون... في كل صفحة تكتبها ستلاحظ ازديادهم، واحداً او اثنين كل اسبوع، كل شهر، كل عام، لا يهم، المهم أن أفكارك أصبحت أكثر نضجاً وأكثر قوة.
الكتابة ستجذبك حتماً للقراءة، حتى وان لم تكن قادراً على انهاء نصف كتاب سابقاً، ستجد نفسك تلتهم صفحات كتاب ما دون شعور بالوقت، وعند كل نهاية ستجد نفسك أقوى كتابياً، ستجد نفسك لا إرادياً تمتص نقاط القوة في أسلوب الكاتب، وتبتعد عن الأخطاء التي قام بها، الأمر السلبي في هذا الموضوع هو أن قدرة احتمالك على قراءة التفاهات ستقل مع الزمن "اتذكر رميي للهاتف المحمول منذ فترة أثناء قرائتي لكتاب رومنسي عربي مشهور، لكاتبة مشهورة، لم اتحمل كمية الغباء الموجودة فيه، كاد ذلك أن يكلفني هاتفاً محمولاً"
وفي النهاية، لن تكون الكلمات عائقاً، ستسطيع عرض ما تريد من أفكارك دون القلق ممن يقرأها، ستصبح مسخّر كلمات كمسخّري الأرض، النار، الماء، والهواء في "الأفاتار" ولكن قوتك لن تكون فيزيائية، ما ستؤثر به هو القلوب والعقول.
التعليقات