حين يقرّر الأبوان الانفصال، لا ينكسر عقد الزواج فقط، بل ينكسر في قلوب الأبناء شيء لا يُجبر بسهولة. الطفل لا يرى في الطلاق أوراقاً وقرارات، بل يراه زلزالاً يقتلع جذور الأمان من داخله. فجأة يصبح البيت بيتين، والدفء نصفين، والوجوه التي كانت تبتسم معاً تتحوّل إلى وجوه متباعدة لا تلتقي إلا في محاكم أو ذكريات.
أقسى ما في الأمر أن الأطفال يجدون أنفسهم في معركة لم يختاروها، يسمعون تبادلاً للاتهامات بين أب وأم، ويُساقون ليكونوا شهوداً على خلافات أكبر من أعمارهم. كم من طفل وقف مرتبكاً أمام سؤال أحد الوالدين: "مع من تريد أن تعيش؟" وكأن الاختيار بينهما ليس اختيار بيت، بل اختيار قلب على حساب قلب آخر.
اللوم يملأ الصدور: لوم على من أخطأ، لوم على من تنازل، لوم على من غاب، لكن الأشد قسوة هو اللوم الذي يوجهه الطفل لنفسه. كثيرون منهم يكبرون وهم يظنون أنهم السبب: "لو كنت أذكى… لو لم أزعجهم… لو كنت أفضل… لربما بقيا معاً." هذا الجرح الخفي لا يزول بسهولة، بل يتسلل إلى أعماقهم ويؤثر في ثقتهم بأن الحب قد يكون مستقراً يوماً.
الانفصال يعلّم الأبناء درساً قاسياً جداً: أن الاستقرار وهم، وأن البيت قد ينهار حتى لو كان يبدو متيناً. بعضهم يتحوّل إلى متمرد، وبعضهم إلى منطوٍ صامت، لكن جميعهم يحملون أثراً لن يراه الآخرون بسهولة.
ويبقى السؤال المؤلم مفتوحاً: كيف يمكن للآباء أن ينفصلوا من دون أن يتركوا أبناءهم ينزفون في صمت؟ ما هو الحل الحقيقي الذي ينقذ الأطفال من أن يكونوا الضحاياالدائمين؟
التعليقات