منذ طفولتي، كان والداي يتحكّمان في كلّ تفاصيل حياتي. وكنتُ أتقبّل ذلك، بل وأُحاول جهدًا أن أرضيهما، لأنني كنت أُدرك أنّ الخوف عليّ هو ما يدفعهما.
لكنني اليوم دخلتُ مرحلة جديدة من حياتي، مرحلة لا أُريد فيها التمرّد، بل فقط قليلًا من الاستقلال. غير أنّني وجدتُ أنّ هذا "القليل" صعبٌ جدًّا، ومرفوض تمامًا.
أمي ترى الحياة بمنظورٍ ضيّق جدًّا. نحن نعيش في الريف، وربّما لهذا السبب تزداد الأمور سوءًا.
هي لا تصرّح برفضها لأحلامي بشكلٍ مباشر، لكنّ كلّ تصرّفاتها تقول:
أنتِ يجب أن تدرسي في الكلية التي أراها مناسبة، ثم تنتهي قصتك سريعًا مثل بنات عمك وخالتك، تتزوّجين وتنجبين، ويُطوى أمرك.
أيّ محاولة للبحث عن عمل تُقابَل بالرفض.
أيّ رغبة في تعلّم الجرافيك أو التسويق الرقمي تُقابَل بالاستهزاء.
حتى اختبار القدرات الذي رغبت في التقديم له، حين طلبت منها مالًا لأجله، سمعت كلامًا جارحًا، واتهامات مبطّنة، وتساؤلات تُقلّل من طموحي.
حين كنتُ في الثانوية، كنتُ أسمع الشيء نفسه.
"لماذا كل هذه المصاريف؟ وماذا ستجنين منها؟ وهل تظنين نفسكِ أفضل من غيرك؟"
كانت تعطيني المال، نعم… لكن بعد كلمات تُطفئ الرغبة في كلّ شيء.
ومع غياب والدي وانشغاله الدائم، صارت هي المسؤولة عن المال.
وصارت كلّ أحلامي تمرّ من بوابة رفضها.
حتى البارحة… حين أعطتني المال بعد معاناة، فكّرتُ بجدّية في أن أتنازل وأعيده.
شعرتُ بالذنب لأني أُريد شيئًا… شعرتُ أنني ثقيلة، غير مُرحّب بأحلامي.
فهل من الطبيعي أن تشعر الابنة بالذنب لأنها تحلم؟
هل من البرّ أن تتنازل عن ذاتها بالكامل لترضي أهلها؟
هل إن رضيتُ بالأمر الواقع، سأعيش مطمئنّة؟
وإن لم أرضَ، هل سأكون عاقّة؟
هل إذا طلبتُ شيئًا، يُعدّ ذلك تمرّدًا؟
هل علينا نحن بنات الريف أن نكرّر ذات القصص القديمة، دون أي حقّ في الاختلاف؟
لماذا كلّ خطوة نحو ذاتي تُقابَل بهذا الرفض؟
لماذا كلّ ما يشبهني يبدو مرفوضًا؟
وهل عليّ أن أختار دومًا: إمّا الرضا العائلي، أو تحقيق الذات؟
هل أنا وحدي من تُعاني هذا؟
وهل يُمكن أن أختار نفسي، دون أن أخسرهم؟
التعليقات