عادت لين ، ومراد من الخارج الساعة العاشرة مساءً بعد أن خرجا سويًا للخارج بهدف الترفيه، وكانا منهكين ، ولكنهما سعيدا.

دلفا للداخل وجلست لين علي الأريكة تخلع نعليها ، وتبعها مراد جالسًا بالجوار بينما يقول :

(مراد) : حبكِ سكن أصاب بضعة من مني.

فأكملت جملته قائلة (لين) : واتسعت تلك البقعة حتي أحتل النفس بأكملها.

تبادلا النظرات والعينين تفيضان وَله ، وتحتل المحايا بسمة حب .

في اليوم التالي أستيقظا سويًا وذهبا للعمل هاته المرة عن طريق رفيق رحلاتهما ،

إنتظراه دقائق حتي أتي ، وبعدها أتت محطة لين أولاً فودعت مراد ، وغادرت وهو كذلك غادره بعد أن أتت محطته المنشودة .

ترجلت لين من القطار وذهبت إلي عملها ، وباشرته بينما هي منهكة جسديًا ، وبينما هي وسط عملها أدركت أنها أوشكت علي نفاذ المطلوب منها لتستريح قليلًا بظهرها علي كرسي المكتب ، وتمسك هاتفها تتصفحه ، ووقعت عيناها علي رسائل مبعوثة لها ، ردت علي البعض ، ونحت الآخرين لحين العودة إلي المنزل ، وبينما هي ترد علي أحد المتابعين ، داهمتها رسالة من فتاة تقول بها نصيًا :

(أهلاً لين ، كيف الحال ؟

أنا هند ، معلمة بمدرسة ثانوية ، متزوجة ، وعمري 33 عامًا ، تزوجت فور أن تخرجت ، ومن منا لا تحلم بالزواج ، تتم تعليمها ، وأن تتزوج لتنال حريتها ، تلك الحرية الواهية ، التي أوهمها بها المجتمع ، فما تبغاه قبل الزواج ، من سفر ، دراسة ، عمل ، خروج ، و...، و... ،,.....إلخ لا بد من أن تفعله بعد الزواج .

هكذا نشأت وسط مجتمع ، يؤمن بتلك الأكذوبة ، وأم ترددها مرارًا ، حتي ضاقت بي الحياة ذرعًا ، وتمنيت أن انتهي من الدراسة سريعًا ، تلك الأكذوبة لم تكن الشئ الوحيد الذي دفعني للزواج ، بل أن والدي سمح للجميع بالتحكم بأمري ، وهو يصرح بنظريته ، أن الجميع يأمر ، وينهي خوفًا عليّ ليس إلا، فبت أحلم بحريتي ، من الممكن أن يستخدمها المقيد طويًلا بإسراف ، وينحرف عن الطريق ، وتنمحي مبادئه ، طريقته ، وحتي تفكيره ، لكنني كنت واعية أعلم أن الإفراط ليس بالشيء الجيد ، وأنت حر ما لم تضر ، نفسك ، ثم الآخرين ، وبالفعل تزوجت ، وبدأت بعد شهر العسل ، بدأت بمداومة عملي كالمعتاد ، وتحقيق ذاتي ، والعمل علي تحقيق حريتي ، وأحلامي من الخروج ، وضع صورة ملف شخصي علي الفيس بوك ، وغيرها مما طمحت به، فرأيت الضيق ، والتأفف من زوجي ، وقبله والدي الذي رآه إنحرافًا عن مبادئ تربيته ، وبات يحدثني أنني ابنته ، وإنه من يحمل عاري ، وهو من سيتسمم بكلمات الناس ، وليس زوجي الصامت عن جرمي ذاك ، فالرجل يحلل له المرأة بكلمة ، ويحرمها عليه بكلمة ، وأن تشجيعه ليّ ما هو إلا فخ للوقوع ، وحين تحدث المصيبة سيدفعني عنه ، وكأنني غبار سينفضه عن أسمه ، لم يستوعب عقلي ماذا حدث لكل هذا؟ ، وماذا إقترفت من جرم حتي أقابل بهذا الكلام ، ولما يريون أن هذا إنحراف ؟

ثارث براكين الغضب بداخلي ، فصرخت بهما ، ولم أتنازل عن حريتي الواهية ، التي عرفت فيما بعد أنها حقوق ، أجل إنها حقوقي التي يرونها إنحرافًا ، وعملت علي تحقيقها ، لم أكن سعيدة كما توقعت ، ولكن لحظات السعادة بالإنجاز قبل الشجارات كانت أكثرهم سعادة وفرحًا ، مرت عدة شهور وسط إعتراض ، وإمتغاض ، من زوجي ووالدي ، وأنضم إليهما أخواتي الذكور ، وتدقيق زوجي ، وإصتياده لزلاتي ، حتي صرخت به ذات يوم منفجرة ، بعد كثر تراكم ، وتجاهل ، ابدلته بلحظات السعادة القصيرة تلك ، أخبرته بسخرية :

(هند) : وهل يا تري ما الذي يجعلك هكذا ؟

(زوجي) : ما الذي يجعلني هكذا؟

(هند) : لا تبادني سؤال بسؤال ، دعنا نتحدث بشفافية ، لا داعي تلك المتاهة.

(زوجي) : ألا ترين كيف تنجرفين كل يوم عن الأخر بطريق ليس هو طريقك ، ولا طريقنا الذي سرنا به يومًا .

(هند) : لأن لحريتي طريق لا يتماشي مع طريقنا ، ثم ألا تري أن طريقنا ذاك غير عادل ، غير منصف ، خانق ، ومحكم السيطرة ، لا أستطيع التنفس به ، والشعور بنفسي .

(زوجها) :ماذا ؟ غير عادل ، ومنصف؟

(هند) : بلي.

(زوجها) :ولماذا إذن سرتِ معي به .

(هند) : لأنني كنت أفكر بأنه لي لحق في التنفس ، والشعور ، ولكنك أنت وطريقنا كنتا غير عادلين ، طالبتا مني السير والتأقلم دون مراعاة أو شفقة .

(زوجها) : وماذا أيضًا تودين أن تفعلي؟ نبس جملته بسخرية أثارت غيظه منها أولاً

(هند ) : لا شيء ، سأعمل لأجل ذاتي ، وسعادتها ، وأحلامها هذا هو سن تحقيق الأحلام.

(زوجها) : ........

(هند) : ولكن سأتبع طريقة ستحسن من الأمور ، أن قدرت أحلامي سأقدر أحلامك ، وإن تركت لي مساحتي الشخصية لأحظي بحريتي ستنالها أيضًا عن طيب خاطر من..........

بتر كلمتها ثائرًا يصرخ(زوجها) : ماااااااذا ؟ ، اتساوينني بنفسك ، لا تنسي أنني أنا الرجل وأنتَ الأنثي.

(هند) : أجل أنت الراجل المنزه عنا نحن الناس ، أسمي المخلوقات ، صاحب الكلمة العليا ن بعد الله ، تمنح كافة الحقوق ، وكامل الحرية وتحرمني منها

؟، ومن المفروض أن أصمت أمام قرارك ,نكمل السير معاً بطريقنا الظالم ذاك لأنك صاحب العقل الراجح .

(زوجها) : هل ستحدثيني ند بند ، وكلمة بكلمة ؟ لا لقد جننت بالفعل ، ولن أصمت علي جنانك بعد الآن .

وثار ، وصرخ ، كمن لدغته عقربة ، ومن يومها ، والفتور يأكل علاقتنا ، ويبتلعها بجوفه ، هو منزوي بذاته ، ومتحفز دومًا للشجار ، وأنا بعيدة أراقبه بصمت ، وتعجب أول مرة أري تلك الحالة ، أتقابل الحرية الواهية أقصد الحقوق التي نسيت بتلك الطريقة ؟)

نشرت لين تلك الرسالة ، وأنتظرت بعد الوقت لكي يسنح للمتابعين إبداء رأيهم .

وبعدها علقت برأيها قائلة:

ردًا علي رسالتكِ ، وحالة الغرابة التي تجعلك تتعجبين من ردة الفعل العنيفة هاته لخصها ’د. محمد طه ’ في كتابه ذكر شرقي منقرض ، نظرية البالونة والدبوس بمثال علي حملة النقد والسخرية التي نالتها المذيعة ’رضوي الشربيني’ :

شوفت مجموعة فيديوهات انتشرت مؤخراً على السوشيال ميديا للمذيعة (رضوى الشربينى).. بتنصح فيها الستات والبنات إنهم مايرضوش بأى شكل من أشكال الإساءة أو الأذى من أى راجل.. يعنى مايرضوش بالضرب.. مايرضوش بالإستحقار.. مايرضوش بالخيانة.. وإنهم من حقهم يعاملوا الرجالة بالمثل.. يعنى يبعد عنها، فتبعد عنه، يتقل عليها، فتتقل عليه، يختفى ويعملها بلوك.. تختفى هى كمان وتعمله بلوك من حياتها كلها..

أنا ماتوقفتش عند أسلوب رضوى فى الكلام.. ولا قد إيه من كلامها كان مصبوغ بخبرة وتجربة شخصية.. ولا مدى ملائمة الفقرة أو البرنامج للقناة المعروض عليها.. لكنى توقفت كتير عند ردود الأفعال الغريبة جداً.. والكتيرة جداً.. والساخرة جداً.. والعنيفة –بشكل ما- جداً جداً..

اللى عملته رضوى الشربينى بكل بساطة.. واللى أنا شايف إنه ممكن يفسر كل هذا الكم والكيف من ردود الأفعال، هو إنها ضربت دبوس رفيع حاد فى بالونة الأنا النرجسية المتضخمة للرجل الشرقى.. تخيلوا لما واحدة ست (خاصة لو كانت على قدر ما من الجمال)، تتحدث بثقة وظهر مفرود وصوت عالى، وتقول لرجل شرقى: لأ..

إذا ماكانش ده هايعمله Narcissistic Injury.. أمال هايعمل إيه؟

العالم الألمانى Heinz Kohut، قضى عمره كله فى دراسة وبحث ظاهرة (النرجسية).. وعمل نظرية كبيرة ومهمة عن تكوين الشخص النرجسى، وأسبابه، وعلاجه.. واتكلم كتير عن النرجسية الطبيعية.. والنرجسية المرضية..

(كوهوت) قال إن فيه احتياج إنساني أساسي بنتولد بيه كلنا، اسمه الاحتياج للشوفان Need to be seen/mirrored.. لو تم اشباع الاحتياج ده بشكل مناسب أثناء الطفولة، هانكبر ويبقى عندنا شعور بالاستحقاق (أنا أستاهل.. أستاهل أتحب وأستاهل أفرح وأستاهل أنجح.. وهكذا).. وسمى ده النرجسية الصحية أو الطبيعية..

ولو ماتمش إشباع الاحتياج ده وإحنا أطفال.. بنكبر ويبقى عندنا جوع شديد للشوفان (إن الناس تشوفنى وتصقفلى).. ونهم بشع للإعجاب (انى اكون محل إعجاب الجميع وبؤرة أضواء الكون).. ورغبة شديدة فى لفت الأنظار.. وسمى ده النرجسية المرضية.. واللى بيكون فيها الشخص النرجسى حاسس بأهمية مبالغ فيها، وشايف نفسه إله منزه عن النقص، وبيتعامل مع غيره بفوقية وسلطوية زائدة.. لا يقبل النقد.. لا يطيق الاختلاف.. لا يتحمل أى كلمة أو نظرة أو حتى لمسة توحى له بأى قدر من الإهانة أو التقليل (لأنه حاسس من جواه إنه أصلاً قليل ومايستاهلش).. هو عبارة عن بالونة كبيرة ضخمة منفوخة هوا لتعويض شعوره الداخلى العميق بالخواء وعدم الاستحقاق.. ده حد وصله طول عمره إنه مايستاهلش.. فقرر يصدق إن مافيش حد يستاهل غيره..

مشكلة Kohut بقى إنه ماعاشّ فى مجتمع شرقى، ولا عمل أى دراسة أو بحث على أى رجل شرقى.. علشان كده هو فاته كتير أوى.. وأهم ما فاته هو إن طريقة تكوين الشخصية النرجسية فى مجتمعاتنا يُضاف إليها بُعد مختلف تماماً عن اللى شافه واللى وصفه..

وكلامى التالى بدون تعميم

إحنا عندنا الأولاد (الذكور) مش بيوصلهم انهم مايستاهلوش.. لا.. ده بيوصلهم انهم يستاهلوا (على مستوى ما) بزيادة.. دول بيرضعوا النرجسية مع اللبن.. بتتزرع فيهم النرجسية من طفولتهم زرعاً.. بيتنفسوها مع الهوا اللى بيتنفسوه فى بيوتهم..

انت عندك أم بتربى ابنها إنه ماينفعش يجيب لنفسه كباية ماية.. فما بالك بتنضيف مكانه وأكله وشربه وغسيله ومواعينه..

وعندك أب بييسمح لابنه يؤمر ويتحكم وأحياناً يضرب أخته الكبيرة.. ويسهر ويصيع ويصاحب ويتحرش.. ويتقاله برافو عليك انت كده راجل..

وعندك زوجة بيوصلها من طفولتها إنها ماينفعش تلبس ولا تخرج ولا تشتغل ولا تنام ولا تصحى إلا بأمر وموافقة ومباركة زوجها المقدس..

وعندك مجتمعات بتمنح كل الحقوق والمميزات اللى فى الدنيا للراجل.. وتمنعها تماماً عن المرأة..

ده يطلّع إيه بقى؟

يطلّع طبعاً شخصيات تغرق فى نرجسيتها.. وكائنات ذكورية تكاد تنفجر من تضخمها وإنتفاخ ذاتها.. وزومبيز بشرية تعطى لنفسها حق الحياة.. وتحرم غيرها من مجرد الإحساس بالوجود..

يطلّع بنى آدمين مصدقين إنهم من درجة أعلى ومرتبة أسمى ولديهم عقل أرجح من بنى آدمين آخرين زيهم..

يطلّع واحد يشتم مراته ويهينها كل يوم.. ولما أقوله: “لو هى عملت زيك هاتعمل إيه” يقولى: “هاضربها على وشها بالقلم طبعاً.. إزاى تهين جوزها؟”

يطلّع حد يخون مراته كل ليلة ولما أسأله: “لو اكتشف إنك مرة مراتك بتخونك هاتعمل إيه؟” يقول: “هاطلقها أو هأقتلها بدون تفكير”.

يطلّع حد يقول لمراته “المفروض تحمدى ربنا إنى راضى بيكى ومعيشك معايا.. انتى المفروض تسجدى لى ليل ونهار”..

يطلع حد أول ما مراته تناقشه أو تراجعه أو تعترض على رأيه يقولها:”انتى هاتكلمينى رأس برأس؟ أنتى هاتعاملينى الند للند؟”

إحنا بنصنع مسوخ ونوصلّهم إنهم أنصاف آالهة غير قابلين لمجرد اللمس Untouchables بمعنى الكلمة

إحنا بنعلمهم رجولة مزيفة.. ونفهممهم إنها رجولة حقيقية

إحنا بننفخهم هواء ملوث عطن.. ونسيبهم يختالوا ويتطايروا فى سماء النرجسية والغرور..

وتيجى بقى (رضوى الشربينى) فى ثانية، تضرب كل ده بدبوس حاد مسنون، وبكل ثقة وكبرياء.. علشان تتسبب فى جرح نرجسى مفاجئ وغائر وعميق Narcissistic Injury.. لا يكون له أى رد فعل غير ما يسمى بالNarcissistic Rage.. أو الغضب النرجسى.. وده حكاية لوحده..

الشخص النرجسى لما يحصله صدمة نفسية شديدة أو جرح نفسي عميق يمس ذاته المتضخمة، بيحس بتهديد شديد.. بيحس إن وجوده على وشك الانهيار.. وإن بنيانه وتكوينه على أعتاب التهاوى.. وده -فى الحقيقة- من كتير غلبه وإحتياجه.. اللى مالقاش قدامهم غير الإنكار والتعالى..

وعلشان وجوده الهش ماينهارش.. وعلشان يحمى بنيانه وتكوينه النفسي من التهاوى.. فهو بيستخدم كل أسلحته فى الرد.. ويسن كل أسنانه للهجوم.. فيما يعرف بال Narcissistic Rage.. شوية شتيمة.. شوية سخرية.. شوية إهانة.. شوية تطاول.. شوية تهديد.. وأحياناً بيصل الأمر إلى القتل.. أنت قدام حد حاسس إنه لو مادافعش عن نفسه ممكن شخصيته تتفكك ويتجنن بمعنى الكلمة (يعنى تجيله هلاوس وضلالات).. أنت قدام حد المسألة بالنسبة له حياة أو موت.. أنت فجرت البالونة وحطيت قدامها مراية.. وقولت: بص.. أنت أهو..

اللى إرتبطت أو اتجوزت بواحد نرجسى.. تعرف الكلام ده كويس أوى..

طيب والستات اللى طلعت شتمت وسخرت وتطاولت؟

دى بقى حكاية تانية خالص.. اسمها (تقمص المعتدى).. لينا فيها كلام بعدين..

عاوزين تعالجوا ده؟

عاوزين تغيروه؟

أبدأوا من بيوتكم.. مع زوجاتكم وأمهاتكم.. مع أولادكم وبناتكم

فهموهم إن الولد زى البنت

علموهم إنهم الاتنين بنى آدميين

علموهم يحترموا بعض

علموهم إن الاحترام أهم من الحب

وإن الحب من غير احترام مايبقاش حب

وإننا كلنا متساويين قدام ربنا كأسنان المشط..

وإننا كلنا مسئولين..

كلنا مسئولين..

د. محمد طه

دكتور محمد طه طبيب نفسي ، وكاتب مصري لخص رد فعل النرجسي وخوائه الداخلي حينما تقف قبالته إمرأة بضهرٍ مصلوب ، وتتحدث بثقة ، لا تترك حقوقها ، بل تطالب بها .

#البالونة_والدبوس.

#حكايات_نمنم_لـ30_يوم_غير_كل_يوم.

#منة_محجوب.

#خواطر #شعر #خربشات #قصائد #كتابات #أدبيات.