كعادة كل يوم ، وخصوصًا بشهر رمضان تستيقظ لين بروتينية معهودة تحفظها عن ظهر قلب ، تستعد هي ، وزوجها للذهاب إلي عملهما ، ويمضيان ساعات معلومة بالعمل ، ويعودان أيضًا بميعاد معلوم ، وحين تعود للمنزل لا يقتصر مجهودهما اليومي علي العمل فقط ، فحين يدلفان للداخل ، يصبح دورهما ليس إلا زوجة تقوم برعاية منزلها ، وأداء فريضتها ، وزوج يرعي الزوجة ، ويشاركها بتعاون في بعض الأعمال ، ويحافظ علي قوة بيته الداخلية ، قبل الخارجية التي تظهر للجميع.

أنهيا إفطارهما بشهية ، قبل أن ينهيا فروضهما ، قابعين علي أريكة الإستقبال لم يخل داخلهما من الطموح بفعل شئ مفيد ، لكن التكاسل كان هو المنتشر بأرجاء الغرفة ، لتقرر لين أن تنهض ويكفي تكاسلاً ، فبدأت بذهاب ، ومجيء الغرفة ليبعث قليل من التوتر، والغرابة التي باتت تتقافز من عيناي مراد ، ليسألها عن سبب فعلتها :

نبس يقطع حيرته من فعلتها هاته(مراد):ماذا يجول بخاطرك ِ؟

أجابته وهي لا تزال تذهب ، وتجيء بالأرجاء(لين): أفكر ماذا يمكنني أن أفعله ، ويغدو مفيدًا لا يقطع هذا الملل إلا بنتيجة تجدي نفعًا .

أستأنف حديثه بعدما فكر للحظات (مراد): اممم ماهي المهام المنزلية التي تودين فعلها هذا الشهر ؟ من المؤكد أن صغيرتي لديها قائمة بالفعل . قال أخر جملته ببسمة حنونة يحاول بث الحلول داخل رأسها .

لتتوقف عن الحراك بعد أن أتم أخر جملته ، وتغير وجهتها لخارج الغرفة ، وهي تركض نحو أدراج المكتبة المنزلية الصغيرة ، التي لا زالت للآن تطمح بأن تجعلها أكبر مكتبة قد يمتلكها شخصًا يومًا ما ، مليئة بكل أنواع الأدب كفن أو أدب يخص عدة دول ، وكتب النقد ، والروايات ، ذات أهمية بالنسبة لها ، لتخرج القائمة بين يديها ، وهي تتفحصها بتمعن علي أثره تلمع عيناها بعد حصولها علي مهمة من ضمن المهام .

لتضع عليها علامة خطأ بالجوار قبل أن تطويها ، وتضعها بمكانها بدرج المكتبة .

وتهم بترتيب وتنظيف المكتبة بسعادة بالغة ، وكلما نفضت الغبار عن كتاب فتحته وشمت رائحته ،بإنتشاء ، ووضعته بمكانه ، هاته المرة قررت ترتيب الكتب عن طريقة تدرج الألوان ، لا عن طريقة الأبجدية كالمرة الفائتة، المرة قبل الفائتة رتبتهم عن طريق تصنيف كل نوع لوحده ، وكل كاتب علي حدا .

كانت تنظف الغبار عن أحد الكتب ، وتشتمه بعدها ، فسمعت صوت قهقهه مكتومة تأتي من خلفها ، فتلتفت للخلف فتراه محمر الوجه من فرط ضحكاته المكتومة ، قبل أن تتلاقي عيناهما في لقاء أنفجر هو ضاحك ما أن ناظرته بغضب طفولي لطالما أحبه ، لتتذمر الآخري ركلة الأرض بقدمها ، وهي تدبدب بطفولية ، ويتبعها إنتفاخ أوداجها قبل أن تفرغ هواؤهما بغيظ أصابها .

(لين):علام تضحك عزيزي ؟ ، ما المضحك في الأمر؟

حاول جاهد السيطرة علي ضحكاته ، ولكن خرجت نبرته ضاحكة(مراد): لا شئ عزيزتي ، لقد رأيت لتوي قطة صغيرة ، تشتم رائحة سمكتها بوليمة خلقها عقلها الصغير .

لتبتسم علي تشبيه المتواري(لين): اممم ، حسنًا ، لقد أخطات هذه المرة في الحكم عليك ، ظننتك مذنبًا ، ولكنك بريء .

قالت جملتها ، وهي تدور حوله ، تارة تقف علي أطراف أصابعها تطالعه بنظرة تطالعية ماكرة ، وهي تميل برأسها جانبًا، وتارة تحوم حوله.

ليؤكد جملتها بضحكة فلتت منه بأخر كلمة نبس بها (مراد):أجل عزيزتي إني بريء ، أنتِ الظالمة .

وتبدأ لحظتها مطاردة بينهما يتضمنها الركض ، والتوعد بالإمساك ، والتنكيل ، مصحوب بالهثات ، وضحكات متقطعة .

مرت ساعة ونص كانا أنهيا بهما تنظيف الكتب ،وترتيبها تارة تشاركه نفض الغبار من علي الكتب ، آخري تقف علي السلم الصغير ترتبهم ، وتتزل من فوقه ، وتقف تطالعهم بحب ، وسعادة ، هكذا مرت الساعة والنص هذه.

أرتمي مراد علي الأريكة بتعب ، تبعته لين وهي تتمدد بالجوار ممسكة بكتاب بين يديها لا يتضح نوعه من ذاك الغلاف المحاوط إياه .

لتبدأ بتحريره بعدها من غلافه ، وهي تطالعه بحب لشخصياته ، وتداهمها ذكريات ، وأحداث خلقتها قرأته .

لتهتف لزوجها كاشفة عن أسمه الذي لطالما أخبرته مرارًا عنه (الحلواني ثلاثية الفاطميين) للكاتبة ، والإستاذة بالجامعة الأمريكية "ريم بسيوني"

كانت ستفتح فمها بوصلة قد حفظها ، ليخبرها هو عنه قائلًا:

(مراد): من خلال ثلاث روايات ... تحكى عن مصر ، وأهلها ، وما حدث لهم في ظل حكم جوهر الصقلى ، وبدر الجمالى ، وصلاح الدين الأيوبى. وكيف عاش الناس في مصر العديد من الأحداث من خلال سندس وجوهر بن حسين الصقلى في الرواية الأولى، وفيرون وبدر الجمالى في الرواية الثانية، ورشيدة وإبراهيم الصقلى في الرواية الثالثة ؛ لنبحر في عالم الأحداث على مدار قرنين من الزمان ، وندرك كيف تلاطمت أمواج السياسة، بالدين، بالحب. هكذا نشرت الكاتبة نبذة عنه علي صفحتها الرسمية .

(لين): يا لك من رائع ، محظوظة زوجتكَ ، بمستمع جيد مثلك.

وأنفجرا ضاحكين بعدها.

أستأنف حديثه بغيرة متوارية (مراد): وأنتِ واقعة بغرام القائد الأرمني والي عكا الذي استعان به المستنصر بالله الفاطمي ، وعينه رئيس للوزراء ، وقائد للجيوش ، السيد الأجل ، والعاشق لفرون أبنة الحلواني ، وحفيدة الصقلي.

لتشاركه حديثه ببسمة مستمتعة (لين): والأهم أنه رئيسًا للوزراء بالقاهرة التي بناها حلواني في صفة قائد و دافع عنها حلواني و عشقها حلواني ،

وكانت الرواية عملة ذات وجهتين :

وجهة تاريخية تحكي عن البلاد ، الرعاة ، والأحداث ، والولاء ، والخيانة .

ووجهة آخري تحكي عن الحب ، والغزل.

كان التاريخ يصنعه الرجال ، والحب يتشاركنه النساء في قوة وضعف ، توصف حالة العشق حينما يداهم النساء .

(مراد): طمح جوهر الصلقي بترك دولة بناها ، وجيش غزي به الأرض ، ولكنه لم يكن يعلم بأنه ترك حفيد يصبح ويصاهر حلواني ، بدلًا من تحقيق النصر، (لكـل زمـان دولـة ورجـال) قالها جوهر الصقلي.

(لين):ومن حيث قوة وضعف (الرجال والنساء)

فقد جاءت المرأة قوية وضعيفة ، قوية مثل رشيدة ، وضعيفة مثل سندس وفرون. في الشخصية لا أمام الحب ، فالرجال هم من فروا من الحب وتحول الكره والخوف إلي عشق .

وجاء الأمراء أقوياء، وضعفاء:

بقوة سيف جوهر بن حسين الصقلي ، وضعفه أيضًا ، وتقهقره بهزيمة أمام الحب ، وإتهام سندس بسحر القدماء ، ورغم ذلك أحب جوهر بن حسين سندس برغم من نصف حريق جسدها. فجعله الحب يترك قيادة الجيش إلي ويغدو حلواني وهل يعقل؟ ترك السيف ، وباتت ينحت الخشب لصنع قالب ، يصب به الحلوي الساخنة ،وتتشكلت به عروس مولد نبوي يسترضي بها سندس ، هل يوجد حب هكذا ؟.

وقوة سيف بدر ، ودهاء بدر ، وسيطرة بدر بالحرب ، والحب ، وقف بدر أمام الحب شامخًا يتقبله بغضب ، ولكنه بعد حين لاَن قلبه ، وحرق في في الآن ذاته ، من هجر، وزواج فرون، ومقتل ولده ، بقي قويًا بعدها ، ولكنه ليث ثائر جريح ، قابل فرون بقسوة بعدما رملها ، وقتل حمزة ، وبقي علي قسوته حتي كشفت له الحقائق .

أما عن إبراهيم فكان قويًا أمام الجموع ، يمسك زمام الأمور العائلية ، حائرًا ، فاقد السيطرة أمام رشيدة الأبية الفاتنة ، المتمردة ، في الأمور ، والحب ، أما عن إبراهيم كان يملك كل شيء.

وجاءت رشيدة فخسر كل شيء، ومع الوقت امتلك كل شيء وهم الحلوي والعشق.

أما عن العباد فقد قالت (د. ريم)

("نحن لا نعرف شيئًا عن حياتهم. ألهتنا الحلوى عن فهم قسوة الزمان.")

(مراد): " ليتني ولدت في زمن غير الزمن ، لتنسح لي الفرصة لكي أحبكِ بوجل مثلهم.

أبتسمت علي قوله (لين): القدر يتشابه أحيانًا

(انقلاب أحمد بن بدر الجمالي عليه ، فكرني بابن أحمد بن طولون، كأن التاريخ يعيد نفسه)

فأعد أنت التاريخ بحبك لي مجددًا. ليبادلها الإبتسامة وتسترسل حديثها.

"هناك أناس كالأهرام ما يشيدونه لا يمكن هدمه."

كبحنس ساهرة الهرم شيدتها (د. ريم) بأذهاننا فباتت لا تنسي ، وحبها كالصرح لا يهدم ، بل يغزو داخل افئدة زواره.

#الحلواني_ثلاثية_الفاطميين_الصقلي_الأرمني_الكرديRReem Bassiouney - ريم بسيوني#حكايات_نمنم_لـ30_يوم_غير_كل_يوم.

#منة_محجوب.

#خواطر #شعر #خربشات #قصائد #كتابات #أدبيات