لعلّ واحدة من أكثر المشاعر التي تراود بني البشر هي الشكوك، هل أنت جيد بما فيه الكفاية؟ هل ما تقوم به سيؤتي ثماره؟ ألا يجب أن تيأس وتترك هذا العمل لغيره؟
هذه الأسئلة ليست مُمتعة، إنها محبطة لأبعد حد، والمشكلة أنّها قد تأتي في كلّ وقت، حتى في تلك الأوقات التي تُبلي فيها بلاءْ حسنًا، سيأتي ذلك الموقف مراودًا لك، ويقلب هذه المعنويات إلى احباط وشك.
من محاسن الشك أنّه يُخبرك أنّك تهتم بهذا الذي تفعله، وتحاول أن تجعله أفضل، فلن تجد شخصًا يشكّك بجودة عمله وهو غير مهتم به، لكنّه في غير هذه الناحية ضار جدًا، فهو يقلّل الصبر ويزيد اليأس بعد أبسط المحاولات الفاشلة.
لو عرفت كيف تُسكت هذا الشك، ستكون كمن يتملك قدرة خارقة، لكن لتُسكته عليك أن تعرف الطرق التي يسير فيها، وأيّ المسالك يتخّذها لنفسه سبيلًا، والمشاعر المعقّدة قد لا تكون إلّا أنماطًا بسيطة نكرّرها من غير أن نعي، والشكّ ليس استنثاءً.
قد يبدو الشك حربًا بين الشخص ونفسه، وهذا معقول، فأنت الذي تُخبر نفسك قصّة عن عدم كفائتك، وأنت الذي تصدّقها، لكنّي أقول أنّ الشك هو نوع من عدم انسجام العلاقات بين الشخص ومحيطه.
كلّ الشكوك تبدأ بالمقارنات، يقارن أحدنا بغيره ممّن يفوقه بالموهبة، وهذه المقارنة ليست ضارة ضرورة، فهي ما كانت مصدر الالهام، فمن كان كاتبًا أو موسيقيًا ولم ير غيره ابتدر هذا المجال ورادَ فيه؟ لكنّ هناك خيط رفيع بين الالهام والشكّ، أولئك الذين يلهمونا قد يجعلونا نشكّ بأنفسنا في أحيان كثيرة لو لم نتنبّه لذلك.
أرى الشك ينشئ من ثلاثة أنماط
1-تهويل قدرات الآخرين والحط من قدراتنا
الشكّ يبدأ من اتساع الفجوة بينك وبين من تقارن نفسك بهم، فتبدأ بالتساؤل كيف حصل ذلك؟ لماذا لم تقتفي أثرهم؟ أهناك شيء خاطئ تفعله؟ لكنّ المشكلة أن تقدير المساحة لا يأتي إلّا منك، فأنت ترى الناتج النهائي للآخرين وتقارنه بالناتج الآني المبعثر الذي عندك. في الواقع كلّ الناس يشكّون بأنفسهم، لكنّك لا تعيش في رؤوسهم.
2-حسد أصدقائنا المقرّبين
هذا ما يحوّل الشك إلى سلوك نفسي مدمّر، فأنت تحسد الأصدقاء والأقرباء الذين يشبهوك ولا تحسد البعيدين، ومن يطلب الجِدا -على حد تعبير بيرتراند راسل- لا يحسد المليونير، وإنّما يحسد طالب الجِدا الأنجح منه.
الحسد هو ما يعمّق الشك، وإن كُنت في مصيبة تهويل قدرات الآخرين (النمط الاول) فأنت الآن زدت على ذلك بأن اتخذت هؤلاء الأصدقاء، الذين تجد فيهم الراحة والسلوان، أعداءً ومتنافسين.
3-اليأس فكرة منطقية
عندما تكون الأمور غير واضحة والنتائج غير مضمونة، وعندما تمرّ بالنمط الاول، ونمط الحسد الثاني، ستبدو فكرة اليأس وترك ما يجعلك تُشكك بنفسك أمرًا منطقيًا.
المشكلة في الشكّ أنّه يعيش في "الآن" وهو لا يرى إلى ما يُرى من التجارب والأحداث، لا يعيش الشك في المستقبل، حيث أنّ كل خيار صحيح تستطيع فعله مستقبلًا يُخفي هذه الشكوك شيئًا فشيئًا.
ماهي أفكارك بخصوص الشكوك؟ هل ترى لها أنماطًا أخرى لها؟
التعليقات