لطالما كانت الهدية أداة لتقوية العلاقات الإجتماعية و زيادة الترابط الإجتماعي و نشر قيم المحبة و العطاء بين الأفراد و لكن نجد اليوم أن المجتمع يحيد عن هذه الأهمية التي لطالما تميزت بها الهدية على مرور الزمن فالثقافة المتفشية اليوم هي ثقافة بائسة تختزل في : إذا عايدني، عايدته .. إذا قدم لي هدية، أقدم له هدية توازيها و تعادلها .. إذا هنأني، أهنئه .. إذا اتصل بي، اتصل به ...إذا دعاني، أدعوه ... حتى العزاء لم يسلم من المقايضة فإذا عزاني أعزيه...
لا شك أن الدنيا أخذ و عطاء و لكن هذه الفكرة لا تتنافى مع العطاء و الود و التحابب و المودة في العلاقات الإنسانية التي أصبحت اليوم جثة هامدة بسبب الأنانية و الإصرار على التبادلية و أكثر من ذلك التناسب في التبادلية في العلاقات الإجتماعية. هذه الثقافة البائسة أصبحت تورث من الآباء إلى الأبناء في الزواج، في الأعياد و الزيارات التي يتوقع فيها رد الهدية أو عدم ردها لأن العادات و التقاليد الإجتماعية تفرض مبدأ المقابلة بالمثل التي يكون فيها نوع من أنواع المقايضة. و لكن آن الأوان إلى أن يتدبر الجيل الحالي و شباب اليوم قيمة الهدية و أهميتها في ترابط و تحابب الأفراد في المجتمع و هو ما حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال الحديث النبوي "تهادوا تحابوا " و كذلك من خلال الحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم"ليس الواصل بالمكافئ، و لكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه، وصلها ".
كما يقول الشيخ علي الطنطاوي: "لا تعامل الناس في أمور العواطف و الهبات و الهدايا بمقياس البيع و الشراء، ولا بميزان الربح و الخسارة بل عاملهم بالكرم و الجود. و من منعك شيئا فإعطه أنت، ستعيش مرة واحدة على هذه الأرض".
سعى مارسيل موس عبر عمله الانثروبولوجي البارز" الهدية: أشكال و وظائف التبادل في المجتمعات القديمة" إلى أن الأفراد الذين يدخلون في تبادل الهدايا انما يقومون بتقديمها و إستلامها وفق شعور المحبة و المسؤولية.
على صعيد علم الإجتماع و النفس، قال مارشال سالنز "إذا كان الأصدقاء يتبادلون الهدايا، فإن الهدايا هي التي تصنع الأصدقاء".
مع تباين و إختلاف الآراء و المرجعيات للهدايا مع التشديد على أهميتها و قيمتها، تبقى للهدية أهمية كبرى في المجتمع و لها قيمة في ترابط و تحابب الأفراد ... و بالتالي يجب على الجيل الحالي أن يكف عن إستهلاك عادات و تقاليد بالية و بائسة دون تفكير . فهو المسؤول اليوم إلى خلق مجتمع واعي، مترابط و متحابب و خلق قيم سامية تسعى إلى ترابط العلاقات أكثر فأكثر في المجتمع ..
التعليقات