في زمنٍ غابت فيه المعايير، وتبدّلت فيه الموازين، صار الجاهل مُوجِّهًا، والعارفُ منبوذًا، والحقُّ غريبًا بين قومٍ يُصفّقون للباطل ما دام يُرضي أهواءهم. من رحم هذا التناقض تولد هذه القصيدة — صرخة فكرٍ حرّ تأبى الانحناء، وتُواجه قبح الواقع بنور البصيرة، تُدين الفسادَ الأخلاقي والفكري، وتدعو الإنسان أن يظلّ نقيًّا، ولو في بحرٍ من العفن.

القصيدة:

يا صاحِ إنَّ العَقلَ باتَ مُتَيَّمًا

بِالحُزنِ إذْ رَأى الحَقِيقَةَ مَأْلَمَا

ما عادَ يَسْكُنُ فِي البَصِيرَةِ نُورُهُ

فَالعَدلُ ظُلمٌ، والحلالُ مُحرَمَا

زَمَنٌ يُرَاعُ بهِ اللئيمُ مُكَرَّمًا

ويُهَانُ فِيهِ الحُرُّ حِينَ تَكَلَّمَا

وتُقَاسُ أقدارُ العُقُولِ بِسَفْهِهِمْ

فَيَسُودُ مَن جَهِلَ الحَيَاةَ تَحَكُّمَا

حَتّى يُبَاهِي الجَهلُ فَخرًا سَفْهَهُ

وَيُرْفَعُ الزَّيْفُ المُبِينُ مُكَرَّمَا

لكنَّ فِي صَمْتِ العُقُولِ نُبُوءَةً

تَغْشَى الدُّجَى نُورًا، وَتَكْشِفُ مُبْهَمَا

سَيَبُورُ زَيفُ القَومِ لَوْ طَالَ المَدَى

وَيَبُورُ ظُلْمُهُمُ إِذَا الحَقُّ نَمَا

فَاصْمُدْ كَمِسْكٍ لَمْ يُلَوَّثْ عِطْرُهُ

وَكُنِ النَّقَاءَ إِذَا الزَّمَانُ تَسَمَّمَا

أحمد محمد قايد عبدالرب