حرية التعبير تُعد من أهم الحقوق التي يتمسك بها الإنسان، غير أن التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي جعل هذه الحرية متاحة للجميع بسهولة غير مسبوقة، وهنا يطرح التساؤل: هل الحرية المطلقة تخدم المجتمع فعلًا أم تتحول إلى فوضى كلامية تُضعف قيمة الكلمة وتربك وعي الناس؟ وهل تُعتبر حقًا طبيعيًا يجب أن يبقى مطلقًا، أم أنها تحتاج إلى حدود حتى لا تصبح عبئًا على المجتمع؟ وإذا كانت مطلقة، فكيف يمكن منع الإشاعات وخطاب الكراهية من أن تختلط بالآراء الصحيحة؟ ومن يملك الحق في وضع هذه الحدود: القانون، أم المجتمع، أم الفرد نفسه؟ ثم هل يمكن أصلًا أن تتحقق حرية مطلقة دون أن تتحول إلى فوضى؟ وإذا وُضعت قيود، فهل تكون حماية للمجتمع، أم بداية للرقابة والقمع؟
هل حرية التعبير المطلقة حق أم عبء؟
يجب التأكيد على أن هناك فرقاً جوهرياً بين حرية الرأي والتعبير، وبين التعدي اللفظي على الآخرين أو الإساءة لهم. فالحرية تقف عند حدود حرية الآخرين وكرامتهم.
وككل شيء في الحياة، إن تُرِك هذا المبدأ بلا ضوابط وحدود أخلاقية وقانونية واضحة، فإنه يتحول بسرعة إلى فوضى شاملة ومنطلق لجدالات عقيمة وتعديات لا تتوقف. يصبح الفضاء العام ساحة للتراشق بدلاً من أن يكون منبراً للحوار البناء.
إن الهدف من حرية التعبير هو إثراء النقاش العام والوصول إلى فهم أعمق للقضايا، لذلك، يجب أن تُمارَس الحرية في إطار من الاحترام المتبادل والمسؤولية، وإلا فقدت قيمتها وتحولت إلى وسيلة للهدم بدلاً من البناء.
نعم، هناك فرق بين حرية الرأي وحرية التعبير؛ فحرية الرأي أوسع وأشمل لأنها تبقى عند صاحبها ولا تؤثر إلا فيه هو وحده، أما حرية التعبير فهي تبدأ عندما يُنشر الرأي ويصل للآخرين، وهنا يمكن أن يكون له تأثير إيجابي أو سلبي في المجتمع.
الإشكال الكبير هو: من يحدد المعيار الفاصل بين حرية التعبير وبين الإساءة أو التعدي؟ إذا تولّت الدولة هذا التحديد فقد يتحول الأمر إلى قمع، وإذا تُرك للمجتمع فهو متباين في وعيه وأحكامه، والعالم أصلًا لا يملك معيارًا أخلاقيًا موحدًا نفصل به بين ما هو إساءة وما هو رأي. ليست كل فكرة تُوجَّه بالضرورة إلى شخص بعينه، فقد تُنشر للعامة وتصل إلى فئات مختلفة، وهنا تكمن الخطورة لأنها قد تضر أو تؤثر سلبًا في بعض الفئات دون قصد
وما يُعتبر حرية في مجتمع قد يُعد إساءة في مجتمع آخر، وهذا ما يجعل النقاش حول حرية التعبير معقدًا وغير محسوم
التعليقات