في يناير/كانون الثاني 2009 أطلق شخص مجهول (أو مجموعة أشخاص) يحمل الاسم الرمزي “ساتوشي ناكاموتو” برنامج بتكوين على شبكة الإنترنت، وأصبح أول من “ينقب” عن العملة الرقمية بعدما سجل أول كتلة في سلسلة الكتل (blockchain) والتي باتت تُعرف باسم “الكتلة الأصل” ليؤرخ بذلك إلى ولادة أول عملة رقمية على الإنترنت.
وكانت أول معاملة بتكوين من نصيب مطور ألعاب يدعى هال فيني، وكان قد حمّل برنامج بتكوين على جهازه في اليوم الذي طُرح فيه على الإنترنت، وتلقى عشرة بتكوينات من ناكاموتو.
ويقدَّر أن ناكاموتو في الأيام الأولى لبتكوين قد استخرج مليون وحدة منها قبل أن يُسلِّم مفتاح الشبكة والسيطرة على شيفرة بتكوين المركزية إلى غافين أندرسون الذي أصبح فيما بعد المطور الرئيسي لمؤسسة بتكوين الذي عمل لاحقا على جعل السيطرة على نظام بتكوين لا مركزية.
وانتشر بعد ذلك استخدام عملة بتكوين الرقمية لتصبح أم العملات الرقمية وأكثرها شهرة، علما أن عدد العملات الرقمية الحية حاليا يتجاوز الألف.
وعندما طور ناكاموتو خوارزمية بتكوين وضع حدا لعدد العملات التي يمكن لهذه الخوارزمية توليدها وهو 21 مليون وحدة بتكوين، وحاليا يتم تداول أكثر من 12 مليون وحدة منها، مما يعني أن أقل من تسعة ملايين وحدة تتنظر اكتشافها أو التنقيب عنها.
ومنذ إطلاق هذه العملة عام 2009 صعد عدد الوحدات المستخرجة (المنقب عنها) بشكل صاروخي، وهذا يتماشى مع الطريقة التي بني عليها نظام العملة، وهو أن يكون التنقيب عنها في البداية سهلا، ثم يصعب في الطريق إلى 21 مليون وحدة، ووفقا للمعدل الحالي للبتكوين فإنه يُقدر أن آخر وحدة منها ستستخرج سنة 2140.
وهناك ثلاث طرق رئيسية للحصول على عملة بتكوين (أو أي عملة رقمية أخرى) وهي: شراؤها من خلال تصريف نقود فعلية مقابل بتكوين، وقبولها ثمنا لبضائع أو خدمات، أو التنقيب عن وحدات جديدة منها. وما يهمنا هو الطريقة الأخيرة.
التنقيب عن العملة الرقمية *
ولفهم كيفية التنقيب عن العملات الرقمية يجب فهم آلية عملها، فالعملة الرقمية تعمل ضمن منصة “سلسلة الكتل” وهي بمثابة دفتر الأستاذ، أو السِّجل الذي يتم حفظ العمليات الحسابية فيه، ويتم تكراره عدة مرات عبر شبكة من الحواسيب، وتحديثه وتوزيعه وإتاحته لكافة مالكي العملة الرقمية.
وفي هذا السجل تُسجل كل عملية أجريت بالعملة الرقمية وملكية كل وحدة رقمية قيد التداول، والذين يتولون إدارة هذا السجل يطلق عليهم “المنقبون” (miners) ومهمتهم تحديث السجل كل مرة تجري فيها عملية بعملة رقمية، وضمان صحة المعلومات، وبالتالي التأكد من أن كل معاملة تعالج بشكل صحيح وآمن.
ومقابل خدماتهم، تتم مكافأة المنقبين بعملات رقمية، وتبلغ قيمة المكافأة حاليا 12.5 بتكوين، وتنخفض قيمة المكافأة إلى النصف كل أربع سنوات، وسيكون التعديل المقبل سنة 2020/2021.
والتحقق من صحة المعاملات يترتب عليه إنشاء كتل من المعاملات الموثقة التي تضاف إلى سلسلة الكتل، ويتم ذلك باستخدام حواسيب فائقة القوة تدعى “العقد” (node) تستخدم برنامج بتكوين وتشارك -ضمن شبكة حواسيب أخرى- في التحقق من صحة المعاملات الرقمية.
ويمكن لأي شخص التنقيب عن بتكوين، وكل ما يحتاجه هو حاسوب قوي وبرنامج بتكوين (المجاني) واتصال سريع بالإنترنت، لكن يجب الحذر من أن هذه العملية مستهلكة جدا للطاقة ومساحة التخزين التي قد تتخطى 145 غيغابايتا.
وسبب استهلاك العملية لمقدار كبير من الطاقة أن التوثق من صحة المعاملة الرقمية عبارة عن لغز يستلزم لحله إجراء عمليات حسابية معقدة وكبيرة تستهلك أقصى قدرة للمعالج بشكل مستمر، ولهذا فإن الحاسوب الذي يستخدم للتنقيب عن العملة لا يمكن استخدامه لغرض آخر.
ومسألة اللغز هذه جزء من برنامج بتكوين، وهي عبارة عن رقم (مفتاح) والذي عند ضمه مع البيانات بالكتلة يؤدي إلى نتيجة ضمن مدى معين، ليتحقق التوثق من صحة المعاملة المالية، ويطلق على هذا الرقم اسم “نونس” (nonce) (اختصار لـ “رقم يستخدم مرة واحدة”) وفي حالة البتكوين فإن هذا الرقم هو عدد بين الصفر و4294967296.
ويتم العثور على هذا الرقم من خلال التخمين العشوائي، حيث إن خوارزمية بتكوين تجعل من المستحيل التنبؤ به، لهذا يبدأ المنقبون بتخمين هذا الرقم وإجراء العمليات الحسابية، ثم إعادة التخمين وإجراء عمليات حسابية جديدة في حال كان التخمين الأول خاطئا، إلى أن تنجح العملية.
ولذلك، فإن التنقيب عن العملة مسألة حظ وقوة حوسبة، لأنه كلما كان الحاسوب أقوى أصبح بإمكانه إجراء المزيد من عمليات التخمين والحوسبة، ووفقا لـ “blockchain.info” أحد أفضل المواقع في تتبع أحدث معاملات بتكوين في الوقت الحقيقي، فإن عدد المحاولات التي يستغرقها العثور على المفتاح (الرقم الصحيح) حوالي 178954695105.
ولهذا، فإنه كلما كان لديك معالج أسرع من منافسيك تصبح فرصتك أفضل للعثور على الرقم الصحيح قبلهم، لكن مع تكالب شركات كبيرة للاستثمار في مشاريع بناء خوادم (مزارع) للتنقيب عن العملة الرقمية فإن حظ الأفراد في التنقيب يصبح ضئيلا، ولمواجهة هذا الأمر تم إنشاء منتديات يتحالف فيها المنقبون الأفراد ليشكلوا معا شبكة واحدة واسعة للتنقيب عن البتكوين.
- المصدر : الجزيرة,ومواقع إلكترونية *
التعليقات