في لُجَّةِ الذِّكرى غرِقْتُ وحيدًا
وملأتُ روحي بالحنينِ المُعيدا
سالتْ جِراحُ العُمرِ فيَّ كأنها
طُعْنَاتُ قلبٍ قد أضاعَ الوريدا
خمسٌ من الأعوامِ مرتْ كأنها
دهرٌ يُعيدُ الدهرَ وجْدًا شديدا
خمسٌ ولكنْ ما تَبدَّدَ حُبُّها
بل زادَ في صدري احتراقًا مديدا
كُنتُ أظنُّ الليلَ يمحو طيفَها
لكنّهُ زادَ الحنينَ وعودا
والصُّبحُ مرآةُ الفراقِ أمامَها
أبكي فأرسمُ وجهَها من جديدا
يا ليلُ قُل لي هل تُراها تذكرتْ
أم هل محاها النسيانُ البعيدا
هل نالَها شوقٌ يُمزقُ روحَها
أم أنها عاشتْ نعيمًا رغيدا
يا طيفُها لا تَعْبُرِ الدَّربَ إنني
ما زلتُ أهوى أن أراكَ بعيدا
لكن إذا مرَّتْ بروحي نسمةٌ
تحملُ الطيفَ فأغشى عليها
كانتْ هنا كانتْ كحلمٍ خائفٍ
يمضي ولكنهُ بروحي مقيمُ
ضحكَتْ فأزهرتِ السماءُ وأشرقتْ
وغدَتْ حياتي كالعناقِ الحليمُ
ما كنتُ أدرِي أنَّها ستُغادرُ
وترُدُّني للصَّمتِ كالمسلوبِ
ما كنتُ أدرِي أنَّني سأظلُّها
والرِّيحُ تلعبُ في الفؤادِ المَغْلوبِ
قالوا تجاوزْها فقلتُ وهل يُرى
شمسٌ تخلَّتْ عن سماها بديلا
قالوا سواها في الحياةِ كثيرةٌ
قلتُ ولكنْ هل أرى المستحيلا
هي وحدَها في الحُسنِ دربٌ مُشرقٌ
هي وحدَها للعشقِ صَبْرٌ جميلا
هي طفلةٌ في رقَّةِ الوردِ الذي
لو هبَّ ريحٌ مالَ حتى يميلا
هي زهرةٌ بل هي قمرٌ في السَّمَا
لا زالَ يسطعُ في السَّوادِ طويلا
هي كُلُّ شيءٍ كانَ يحيا داخلي
هي كُلُّ دمعٍ في العيونِ هطيلا
هي موطني إن جارَ دهرٌ ظالمٌ
وهي الأمانُ إذا جفاني السبيلُ
لكنها مَضَتْ كأنَّ رَحيلَها
حُكمٌ يَسُوقُ العاشقينَ إلى الويلِ
هل كُنتُ سجَّانًا لها دونَ عِلمِها
أم كُنتُ سجينَ العشقِ وهي الطليقُ
ما كانَ ذنبي أنَّني لم أستطعْ
نسيانَ عينيها فقلبي لصيقُ
ما زلتُ في طُهرِ الغرامِ كما أنا
لم أُطفِئِ الشَّوقَ القديمَ العتيقَ
لكنني أدرِي بأنَّ نهايةً
قد كُتِبَتْ لي هل أراها تضيقُ
ليتَ الدُّروبَ تردُّ عُمرًا ضائعًا
ليتَ الليالي تُرجِعُ الماضي البعيدا
لكنَّها الأقدار تمضي كسُّهى
ويظلُّ قلبي في انتظارِ المَوعِدا
• صلاح الدين العفيف
التعليقات