دائما ما يتم مقارنة برده البوصيري "الكواكب الدرية في مدح خير البرية" ببردة كعب بن زهير "بانت سعاد" وبردة شوقي" ريم على القاعبين البان والعلم " ولست هنا بصدد الحديث عن الثلاثه قصائد على عظمتها واهميتها وبلاغتها ولكني سأكتفي بالتفصيل قليلا ل قصيده كعب وذكر مقدمتي شوقي والبوصيري للتعريف بها رحمة الله عليهم جميعا وأفضل الصلاة والسلام على سيدنا وحبينا رسول الله .

(بانت سعاد ل كعب بن زهير بن سلمى ) رضي الله عنه :

اهدر النبي دم كعب بن زهير لانه قام بهجائه عليه السلام هو واصحابه فأرسل بجير الى اخوه كعب يخبره بأن يأتي للنبي ويعلن اسلامه ويعتذر منه لان النبي الكريم لايرد من جاءه مسلما او معتذرا وهو ماقام به كعب بن زهير . ولكن مجئ كعب كان من اللازم ان يكون على قدر الموقف والاشخاص فكعب كان قد هجا النبي وهو من الشعراء المجيدين لهذا الفن وهي موهبة حبا الله بها هذا البيت فأبوه زهير بن سلمى صاحب المعلقة الشهيره وكان هو وكعب ممن لايقدم عليهم احد في الفن .

كالعاده يجلس النبي بين اصحابه من المهاجرين والانصار في المسجد وكعب بينهم متلثم واذا به يقف في وسط هذا الجمع ويطلب من النبي الكريم العفو ويعلن اسلامه فيذكره النبي بما قاله فيه من هجاء فيعتذر وينشد (لاميته )المشهورة التي فاقت شهرتها جميع قصائد المدح في شخص النبي وعلى عاده الشعراء قديما كانوا يبدأون قصيدتهم بذكر المحبوبة او بالبكاء ع الاطلال قال زهير :

بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ

وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ

هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ

وهكذا وعلى منوال هذه المقدمة الطللية يستمر زهير في وصف حبيبته سعاد والتي اشار بعض شراح هذه القصيدة الى انها رمز المقصود به هو اشياء الشاعر المحببة اليه في حياته الجاهلية والتي سيتركها لاعتناقه الاسلام . فبانت سعاد اي فارقتني سعاد ومن شدة ذهول قلبي اشعر انه مأسور ولاسبيل الى فداء يفديه فقلبي سيظل مأسور الى الابد بسبب هذا الفراق .

الى ان يصل الى قوله :

فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ

هنا خاطب الشاعر نفسه وقال : لا يغرك ما تقوله وتزيّنه لك من الكلام ولا ما وعدتك به من الوعود وأخلت به، فالأماني التي وعدتك بها باطلة فاسدة مثل أمنيات الإنسان وأحلامه التي يراها في منامه ولا يستطيع تحقيقها فهي زائلة

ما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ

كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ

أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ

أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها الّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ

وعلى الرغم من ذلك فهو يطمع في وصلها ويشتاق اليها ولكنها بأرض بعيده لايصل اليها الا النوق الجيدة القوية وبالرغم من استحاله هذا الاتصال وبالرغم مما فعلته به حبيبته الا انه يأمل في وصلها والاجتماع بها مرة أخرى .

واسترسل كعب في وصف ناقته مما لامجال لشرحه هنا وهوعلى عاده الشعراء قديما ايضا الى ان بدأ بالحديث بعد هذه المقدمة عن الهدف الاساسي لقصيدته ولمقدمه على النبي (ص) فقال هذه الابيات الجميلة المشهورة :

يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم اِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ

وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُه لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ

فَقُلتُ خَلّوا طَريقي لا أَبا لَكُمُ فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ

الى ان قال بيته المشهوروالبليغ جدا :

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ

ثم اذا به يطلب العفو من رسول الله قائلا :

أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ

مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ القُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ

لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ

الى ان وصل الى بيته المشهور ايضا :

إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

واستمر هكذا في ابيات تمدح النبي فما كان من النبي الكريم الا ان عفا عنه واهداه بردته الشريفة تكريما له . وعرفت هذه القصيده باسم البرده لهذا السبب .

وسميت القصيدة التي مدح البوصيري فيها النبي بالبرده لانه رأى مناما ان رسول الله اتاه واهداه بردته وبرده البوصيري تعتبر من ابلغ ماقيل في مدح النبي ايضا والتي كان مطلعها :

أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ مزجتَ دمعًا جرى من مقلةٍ بدمِ

أمْ هبَّتِ الريحُ من تلقاءِ كاظمةٍ وأوْمَضَ البَرْقُ في الظلْماءِ مِنْ إضَمِ

وخاطب البوصيري نفسه في هذه المقدمة قائلا: هل بكيتَ كثيرًا وجرت دموعك من عينيك مخلوطة بالدم من شدة البكاء والحزن، وكل ذلك بسبب تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحاب ذي سلم وهو مكان بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، أم أنَّ الذي حرك مشاعرك وأهاج أشواقك هي الرياح التي هبَّت من منطقة كاظمة هناك، أو من لمعان البرق والأنوار التي تتصاعد من إضم في الليالي المظلمة.

وعارض شوقي رحمه الله برده البوصيري بقصيدته المشهورة (ريم على القاع بين البان والعلم ) والتي غنتها ام كلثوم :

ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ

رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ

  • وبالاجماع وبالرغم من بلاغة شوقي والبوصيري في قصيدتيهما فلم تصل احداهما في بلاغتها وحسن تعبيرها وروعتها ما بلغته قصيدة كعب رضي الله عنه من جمال وبيان وفصاحة , هذه اللامية التي انقذت صاحبها من القتال وكتب لها البقاء الى الابد .