أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي 
وأسمعت كلماتي من به صممُ
كم تطلبونَ لنا عيبًا فيعجزكم
ويكره المجدُ ما تأتون والكرمُ

من منّا لا يحفظ هذه الأبيات لأبي الطيب المتنبي أو كما أحب تسميته "سيد الشعراء" ، هذا الشاعر الذي لطالما عرفناه بإعتزازه بنفسه والذي أفرز لنا أقوى أبيات الفخر في شعر العرب .

في البدء، لا يختلف اثنان حول جمال ورصانة وقوة بيان شعر المتنبي، ولا يستطيع المرء التوقف عن التلذذ بما أنتجه قلمه، وأبيات كهذه تجعلنا نهتف إعجاباً بها. 

ثم إننا جميعاً نتشارك في انزعاجنا من ذلك الكائن البغيض الذي يسرف في امتداح نفسه ليلاً و نهاراً، ولكننا نعود لنبحث عن ذلك المدح في أبيات المتنبي عن نفسه، ونستلذّ بها ونكررها وربما قمنا باقتباسها واستخدامها في حواراتنا، فهل يوقعنا ذلك في شباك النرجسية والكِبر، أو يجعلنا ندعمها دون أن نشعر؟

سادني اعتقاد منذ مدة أن المتنبي ليس كغيره من عامة الناس، لأنه شاعر هابته الشعراء والملوك من قبل، فكيف لا يحق له الفخر بنفسه؟ ولكنني عدت لأفكر في الأمر من زاوية أخرى، فقد احتضنت الأمة لعقود ممتدة أعلم علماء الأرض، ولم أجد منهم أحداً قد أسهب في مدح نفسه أو ما أوتي من العلم يوماً ما، فهل الأمر مقتصر على الشعراء ومرتبط بطبيعتهم؟

عَـلَى قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ    وتَــأتِي عَـلَى قَـدْرِ الكِـرامِ المَكـارِمُ 
وتَعظُـمُ فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها    وتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ

لا نغفل عن حقيقة أن المتنبي قويّ ليس في مدحه لنفسه فقط بل حتى في مدحه للقادة و الملوك، وعلى رأسهم سيف الدولة الحمداني الذي غالى في مدحه حتى تعرّض شعره للذمّ من الشيوخ وعلماء الدين، وقد أنكر عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض ما جاءت به أبياته من قبل؛ لما فيها من مبالغة في الوصف لا تجوز في مخلوق .

هل تعتقدون أن المتنبي كان نرجسياً، وهل ورّثكم هذه الصفة عبر أبياته؟