في مساهمتي السابقة، طرحت أبياتاً عن المبالغة في الحب، ونظراً لأن الحب من أسمى المشاعر الإنسانية و من أهم الموضوعات التي يتناولها الشعراء عادةً، قررت أن أتناول ذات الموضوع من جانب آخر ووجهة نظر مختلفة، أبياتنا لهذا اليوم للشاعر العباسيّ دعبل الخزاعي .

فَبَعضَ المَوَدَّةِ عِندَ الاِخاءِ***وَبَعضَ العَداوَةِ كَي تَستَنيبا

فَاِنَّ المُحِبَّ يَكونُ البَغيضَ***وَإِنَّ البَغيضَ يَكونُ الحَبيبا

القلب مملكة الشعور فينا، و قد سُمّي قلباً لأنه يتقلّب و لا يخلُد على حال واحد، لذلك يحذّرنا الشاعر هنا و من قبله عليّ بن أبي طالب لما قال " أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا ما، عسى أن يكون بَغِيضَكَ يومًا ما، وأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا ما عسى أن يكونَ حَبِيبَكَ يومًا ما"، من الإنزلاق في أبعاد المشاعر السحيقة، من الغلوّ في الحب و الكره معاً، فلا تأمن على أي حال يمكن أن تصير إليه هذه المشاعر، أو إلى أين يمكن أن يودي بك تطرفك هذا، فهذه الدنيا تجري بالمتغيرات، فصديق الأمس أصبح اليوم عدوّاً و عدوّ البارحة هو اليوم صديق، و كم من عشّاق كان يضرب بهم المثل في الحب، و الآن هم في شقاق و عداء .

و لا ننسى قول الله تعالى "و لا تنسوا الفضل بينكم"، و الذي يوجهنا فيه بوضوح إلى أنه حتى لو لم يستمرّ ذلك الحب الكبير بينكم، فلا ينبغي أن يتحول إلى قسوة و جفاء، بل يجب أن تضع فضائل الطرف الآخر نصب عينيك، و لا تتناسى الماضي الجميل الذي جمعك به يوماً ما فهذه من شيم الكبار .

يقول أحد الحكماء :

و لا تكن في الإخاء مكثرا، ثم تكون فيه مدبرا، فيعرف سرفك في الإكثار، بجفائك في الإدبار
ويخشى مع ذلك مع فرط المحبة أن يوافقه على باطل، أو يقصر معه في واجب النصيحة لله عزّ وجل ، وقد تنقلب هذه المحبة إلى بغض مفرط، ويخشى عند ذلك إفشاء الأسرار ،وترك العدل والإنصاف.

فهل من الممكن فعلاً أن يتحول الحب إلى كره بالغ؟

الحبيب ليس ذلك الذي يوافقنا في كل فعل نرتكبه خطأً كان أم صواباً، وليس ذلك الذي يجلب لنا كل ما تشتهيه أنفسنا، ولا ذلك الذي يعاملنا كأننا ملائكة استوطنت السماء، بل هو ذلك المعتدل في حبه، الذي يريد الخير لنا وإن عادانا من أجل ذلك، الذي يشدّ علينا لنستقيم .

رحم الله شاعر آل البيت دعبل الخزاعي.

و أنتم، هل مررتم بتجربة تحوّل الحبيب فيها بغيضاً و البغيض فيها حبيباً ؟ وكيف تعاملتم مع الأمر ؟