الدارس للسياسة الاقتصادية الجزائرية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمر على سياسة الدعم دون أن يتوقف عندها توقف تأمل وبحث طويل ومحاولة فهم لمحتوى هذه السياسة التي تتربع على عرش ما يروج له النظام على انه الوحيد حول العالم الذي يقدم هذه الخدمات لشعبه وبدون مقابل .

أولا وقبل كل شيء مشكلة أي دراسة اقتصادية في الجزائر تصطدم بنقص هائل في الأرقام الحقيقية التي يعتمد عليها في البحث والاستخلاص.

سياسة الدعم في الجزائر تكلف الخزينة العمومية سنويا ما بين 10 إلى 15 مليار دولار تصرف في دعم الكثير من المواد الأساسية . لكن السؤال هنا هل الدعم يذهب إلى مستحقيه الحقيقين ؟

حيث بلغت نسبة الدعم في سنة 2010 *٫10 بالمئة من الناتج المحلي الخام وهذا بلا شك جزء كبير يتم هدره إما بغباء أو بهدف آخر.

أكبر مستفيد من سياسة الدعم هم الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة طبعا بدون تردد فكل التقارير الدولية التي تدرس ظاهرة الدعم الحكومي تشير إلى أن نسبة استفادة الطبقة الفقيرة من سياسات الدعم لا تتجاوز الـ7% وقد تصل إلى نسبة 70 % في الطبقة المتوسطة أو الميسورة .

وأكبر مثال لاستنزاف خزينة الدولة هي دعم قطاع المحروقات والوقود كمثال بسيط عن ذلك حيث حسب صندوق النقد الدولي النسبة الأكبر للدعم الحكومي موجه لقطاع المحروقات والطاقة.

لكن المستفيد الأكبر هي الطبقات المتوسطة والميسورة، نظرا لمعدلات الاستهلاك العالية لهذه الفئات أو لأنها تمتلك نسبة كبيرة من حظيرة السيارات أيضا وتشير هذه التقارير إلى أن نسبة الدعم الموجه للفئات الفقيرة، تتراوح عادة ما بين 1 و7% من مجموع الوقود مقابل 42 إلى 77% يستفيد منها الفئات المتوسطة أو الميسورة.

مثلا شخص تعتمد تجارته على توزيع المواد أو نقلها (يعني يمتلك حظيرة كبيرة من السيارات أو الشاحنات أو الحافلات) يستفيد من سياسة الدعم الحكومي بدون وجه حق ويستغله ويمكن أن استفادته من الدعم ليوم واحد تمثل النسبة العامة التي يستفيد منها شخص من الطبقة المعوزة طوال حياته.

أضف إلى ذلك أيضا سياسة دعم المواد الاستهلاكية والمثال بالحليب أيضا فالفئة المتوسطة والميسورة تستفيد من هذا الدعم الغير موجه وتزاحم الطبقة التي أنشأت من اجلها هذه السياسة .

ولا يمكن أن نتحدث عن الدعم الحكومي دون أن نشير إلى تناسب حقيقي بين سياسات الدعم وبين ارتفاع نسب التبذير في المواد المدعمة خاصة في الطبقات المتوسطة والميسورة فكلما كان الدعم غير موجه ولا يذهب إلى مستحقيه الحقيقيين ينتج عنه تبذير وصرف كبير وإهدار للمال العام بشكل غير مباشر.

لكن ما الحل ؟ في مثل هذه المقالات لا أريد تقديم فقط المشكلة دون التطرق إلى الحلول الممكنة !

المشكلة التي تطرح نفسها هو هل الدولة لها الرغبة في وضع حل لهذا الضياع الكبير للأموال وللمداخيل التي لو عرف كيفية تسيريها لكانت الجزائر من مصاف الدول المتطورة ببساطة.

الحل كل الحل في إيجاد آليات تجعل من الدعم موجه للفئة المحرومة والتي تحتاجه فعلا إما في صرف الدعم على شكل إعانات شهرية لأسر مسجلة ومتحقق من صحة احتياجها ومنظمة في شكل بنك معلومات أو دعم أجورها أو استحداث بطاقات ونظام كامل موجه لخدمة سياسة الدعم الحقيقية وأنا على يقين انه لو تتواجد الرغبة السياسة لتطبيق مثل هذه الحلول سنخرج بنتائج لم نكن لنحلم بها وسنسترجع جزء كبير جدا من الأموال التي نحتاجها من اجل بناء نظام اقتصادي متوازن .

هنا نتوقف ونشير إلى أن هذه السياسة ماهي إلا نوع من أنواع شراء السلم الاجتماعي و طريقة فعالة جدا لإستغباء شريحة عامة من المجتمع المغلوب على أمره .

ويبقى السؤال لك في الأخير في نظرك هل سياسة الدعم غباء حكومي أم حق أريد به باطل وماهي الحلول الناجعة التي تراها تصلح وتكون بديلة لهذا النوع من سياسة الدعم ؟


بعض الأرقام الخاصة بسياسة الدعم في الجزائر :

قيمة التحويلات المالية الخاصة بالدعم حسب تقديرات الحكومة الجزائرية أكثر من 19 مليار دولار

3.17 مليارات دولار منها موجهة لدعم الإسكان

3.3 مليارات دولار لدعم قطاع الصحة

2.48 مليار دولار لدعم مختلف المواد الاستهلاكية مثل "السكر والحليب والزيت" وغيرها

831 مليون دولار موجهة لدعم الكهرباء والغاز والماء.