يقولون: لكلِّ امرئٍ من اسمه نصيب،

لكنها لم تؤمن يومًا بهذه المقولة ولم تُصدِّقها. سمّاها أبوها زهو كناية عن الفرح والانبساط،

ولكنها لم تمتلك من هاتين الصفتين أيَّ شيء.

كانت على اعتقاد أن هذا ليس اسمها، ولذلك لم تُحبه يومًا. لقد كان مُقدّرًا لها أن تولد بعد وفاة ابنة عمّها زهو بشهرين،

لذلك سمّوها على اسمها. لطالما تساءلت: لو لم تمت ابنة عمّها حينها، ماذا سيكون اسمها يا ترى؟

دارت هذه الأفكار في رأسها وهي تقف أمام كومة الخشب الملقاة بعشوائية في المرآب، تنتظر مَن يحملها إلى الشقة.

الشتاء على الأبواب، وبرده القارس الذي بدأ بالتسلّل لا يمكن مقاومتُه، والمدفأة القديمة تساعد على تدفئة أوصالهم الباردة، وقد تحلّقوا حولها وألسنة اللهب تتراقص على جدرانها.

زفرت بغضب وجذبت قطعة وجلست عليها مقطّبة الجبين. إلى متى سيستمر هذا العذاب؟ أليس هناك من حلّ يا الله؟

لقد تعبت من هذا العمل الشاق. كل يوم تصعد مثقلة بأحمالها هذا السلّم الطويل لتصل أخيرًا إلى شقتها.

المبنى قديم ولا يوجد به مصعد وقد اخضرت جدرانه بفعل الرطوبة، والشقة تقع في الطابق الثالث.

تسعٌ وأربعون درجة أحصتها واحدةً واحدة وكأنها لا تنتهي أبدًا.

لقد صار البيت وحاجياته عبئًا عليها عوض أن يكون سكنًا لها.

> "لقد تعبتُ يا امرأة من هذا الوضع، ظهري يؤلمني ولم أعد أستطيع أن أحمل الأثقال.

ليس هناك كراء، لم يرد أحدٌ تأجيري بيتًا،

رغم أني أعرض عليهم دفع سنتين إيجارًا مسبقًا. الحل الوحيد أن نشتري بيتًا عن طريق البنك."

طأطأت رأسها بعدم اقتناع. تأفّف زوجها وقال متبرّمًا:

— أنتِ تعشقين النكد يا امرأة وتحبين المشقة. لقد سألتُ الكثيرين عن الأمر ولم يعترض أحدٌ سواكِ… كل الناس امتلكت بيوتًا إلا نحن… أتعرفين الحاج محمد؟

هزّت رأسها بالنفي، فأكمل كلامه قائلًا:

— الحاج محمد حجّ واعتمر العديد من المرات واشترى بيتًا عن طريق البنك… أتعرفين الله أكثر منه؟

رنّت كلمات زوجها المتبرّمة في أذنيها. وضعت يدها على خدّها حائرة.

لقد تحملت هذا الوضع لسنوات بصبر، لكن طاقة احتمالها قاربت على النفاد.

إنها أشغال شاقة بصفة يومية. لطالما كرهت فصل الشتاء الطويل القاسي، وكرهت ضيق الحال وضيق الأفق.

لكن إيمانها بالله كبير وبأنها ستُفرج يومًا ما، لكنها لا تعتقد أبدًا أن الحل هو البنك.

وهل سيتمكن من دفع الأقساط كل شهر؟

وكيف يكون الحل في معصية الله، حتى وإن كان البيت كبير وجميل وبحديقة، والأهم بدون سلالم؟

زوجها يقول إن الأمر ليس فيه حرج، لقد أجاز العلماء ذلك للمضطر.

فجأة بدا لها أن المشقة التي تعيشها أهون ألف مرة من أمرٍ تُقدِم عليه وفيه معصية لله.

و بدا لها البنك كغول يفتح فمه ليبتلعها هي وزوجها وبيتهم الموعود.

-"ماذا تفعلين هنا؟"

قاطع حبل أفكارها صوت محبّب لقلبها. إنها سحر، صديقتها وأختها ومنقذتها أيضًا.

ابتسمت بلطف وقالت:

— كالعادة يا عزيزتي.

— لا عليكِ، لديكِ سحر الخارقة هنا وتحتارين! سنتعاون… حمل الجماعة ريش.

— ريش وحشيش!

وتعالت أصواتهما المازحة بصخب يبدّد سحابة الهمّ الموجودة على ملامح زهو، ويخفّف الحمل عن أكتافها الهزيلة المنحنية.

جلستا أخيرًا أمام المدفأة، ترتشفان الشاي الدافئ وتتبـادلان أطرف الحديث، حتى تناهى لسمعهما صوت المفاتيح في الباب. إنه زوجها، وقد عاد من عمله أخيرًا.

---

طاب مساؤكِ… كيف كان يومك؟ بادرته بالسؤال.

— بخير، أجابها وهو يخلع حذاءه ويعلّق معطفه. اقترب من المدفأة قائلاً:

البيت دافئ اليوم بفضلكِ… لقد أنجزتِ مهامكِ على أكمل وجه.

— لم أكن لأنجز شيئًا لولا مساعدة سحر.

واستمر بابتسامة ودية وهي تربّت على كتف صديقتها.

تنقّلت نظرات زوجه بينها وبين الكرسي الخالي وكأسي الشاي الموضوعين على الطاولة، أحدهما فارغ والآخر ممتلئ.

تنهد بصبر، البيت ليس فيه غيرهما هو وزوجته.

لا يعرف إن كانت سحر هذه جنّيّة، أو مجرد خيال اخترعه عقل زوجته المتعب والمنهك من كثرة الضغط والتفكير والوحدة.

لقد صارت أحاديث زوجته تدور عنها مؤخرا، بدت كملاك حارس يخفف عنها غربتها.

لكنه ممتن لها…

لأنها جعلت حياتها أسهل.