شخصٌ ما يسلّط الضوء على عينيّ، لأفتحهما ببطء قاتل، وكأنّه يخشى أن يكشف لي الرؤيا. فانوس صغير يستقر فوق وجهي، وصوتٌ ناعم يسبق ملامحه. فتى في مقتبل العمر، متوسط القامة، شعره داكن كأنه احترق للتو، وعيناه بلون العسل، تتدلّى من أذنيه حلقتان تشبهان حلقات كوكب زحل بلونٍ أخضر، وبعض اللمعان يتناثر فوق شفتيه. بدا حسن المظهر بطريقة غريبة تشبه الحكايات.
قال بصوت هادئ:
"أرجو المعذرة يا آنسة، لم أنتِ نائمة في العراء؟ هل أستطيع مساعدتك؟"
رفعت رأسي بتردد، ما زلت مشوشة:
"لا أعلم حقًا... يبدو أنني تائهة. كيف يمكنني العودة إلى مدينتي من هذه الغابة؟"
"أين تقع مدينتك تحديدًا؟ أنا أعيش في قرية تقع عند أطراف هذه الغابة. يمكنني مرافقتك إلى حارسها، وسيرشدك إلى الطريق."
"شكرًا لك، أرجو ألا أكون عبئًا عليك."
تقدمني ذلك الفتى الغريب، يشق طريقنا بفأس حاد، يقطع أوراق الشجر في صمت كئيب. بعض الأشجار طويلة للغاية، تقف شامخة كنساء ينتظرن التتويج، ويغطيهن الضباب في حشمة. تأملت مظهره للحظات، بدا وكأنه قادم من مسرحية قديمة، ملابسه تقليدية بعض الشيء.
هل يجدر بي فتح حديث معه؟
"إذا يا سيد، لماذا تتوغل في الغابة وأنت تقيم على الحافة؟"
ابتسم دون أن يلتفت:
"أُدعى مرجان... كلفني قائد العشيرة بإحضار ريشة طائر العنقاء كهدية للاحتفال بذكرى زواجه. لا أفهم لماذا يساوم البشر على علاقاتهم بما هو نادر وثمين. أليس وجودهم معًا كافيًا؟"
صُدمت قليلًا:
"طائر العنقاء؟! يا إلهي... ما أكثر عجائب هذا الفتى." ثم تمتمت: "لكن من الجميل أن يُعبّر الإنسان عن حبه بلطف، كالهدايا مثلًا. ليس المقصود قيمتها، بل ما تعنيه من اهتمام وتقدير."
سكت لحظة، ثم قال بنبرة مائلة إلى السخرية:
"إذًا، أنتِ ممن يربطون الحب بالهدايا؟ وتظنين أن من لا يهدي لا يحب؟ هذا يُفقد الحب معناه الحقيقي. بالنسبة لي، المشاعر الصادقة أعمق من أي شيء مادي."
"لا، لم أقصد أن تكون الهدايا بديلًا عن المشاعر. لكن أحيانًا، التفاصيل الصغيرة، كباقة ورد أو رسالة مكتوبة، تترك أثرًا. إنها ليست للمقارنة، بل للمشاركة."
"وماذا عن من لا يملك شيئًا؟ هل نقول إن حبه ناقص؟"
"التعبير لا يشترط المال... أحيانًا كلمة صادقة، تصرّف بسيط، أو حتى اهتمام خفيف يكفي. المشكلة أن بعض الناس يظنون أن الحب لوحده يفهم."
كنت أنظر إليه، مرجان، وهو يمد يده نحو شجرة لا تُشبه سواها كأنه وجد شيئًا ما... وفجأة، بدأت الأشجار تتنفس، نعم… تتنفس ببطء كما لو أن الغابة نفسها تتثاءب. شعرت بشيء بارد يلامس وجهي، ليس نسيمًا… بل وكأنه قطرة ماء سقطت من سقف غرفة.
صوت انفصل عن الحكاية، لم يعد ينتمي لها:
"لينا، استيقظي..."
حينها، لم أفتح عينيّ، بل أُعيد تشكيلهما، كأن الواقع كان يُركّب نفسه قطعةً قطعة فوق جسدي النائم.
"لينا! انهضي يا فتاة، هل كنتِ تتعاركين مع وحش ما؟"
نظرت إلى صديقي باستغراب :
" من يدري... لقد بدا الأمر واقعياً للغاية "
التعليقات