أرسل زفرة طويلة، ثم تنهد وقال في نفسه: "لقد أدركت حقا، سبب عكوفي على معبد زوجتي، تعس عبد الزوجة". وقرر أن يأخذ مسافة تضمن له كبرياءه المنتفض، وتعيد التوازن إلى العلاقة. 

ارتشف رشفة دافئة من الحليب المكسر بالقهوة، ثم عاد يتأمل وخزا ألم بإحساسه، "ليتني أستطيع خلق المسافة..لكن في المسافة يختنق الحب ويكتوي بالجمر الفؤاد، المسافة ألم، شوق ممض. أوليست المسافة مضمار السعي من أجل الوصول؟ لكن، هل الوصول يكتفي بالوصال؟ فلم ظلت نار قيس تضطرم اشتعالا رغم زواجه من محبوبة قلبه لبنى؟ ولم ظلت لبنى حريصة على أخباره، وفية لذكرى حبهما وهي في إمرة رجل غيره تخدمه وتغشاه ويغشاها ؟

لم يستطع أن يخلص إلى قرار..."الأفضل أن أنصرف الآن، وأن أذهب لأواجه الموقف"، لن يتحمل المزيد من العذاب لوحده.

كانت الشمس حارقة، ظل يسير حاني الرأس يتحرى أقرب ظل لشجرة أو لحاشية منزل أو دكان...

أدار المفتاح، ودخل الباب، كانت تنسج أنداء الدلال، وهي تستريح على الأريكة حافية القدمين، هدمه شهد زائغ، وانكسرت لمعة في عينيه لا يستطيع إخفاءها، مرارا تقرأها فتبسم في سرها، إنها تدرك أنه كالعصفور في يديها، وأنها لا تزال أميرته التي لا يعرف سواها.

هاجه الأمر واصطنع قسوة في صوته:

- لم تتعمدين الصمت حين أحتاج لحديثك؟

- (هادئة) تكلم! ماذا تريدني أن أفعل؟...

- ( بصوت متهدج) تحدثي معي..خاطبيني..أهم شيء التواصل يا حبيبتي..

- فيماذا مثلا، تريدنا أن نتحدث؟

- أنت لا تحبينني بالقدر الذي أحبك.

تستجمع قوامها بيديها، وتنزوي في ركن الأريكة :

-كذبت علي يا حبيبي .. أقسم أنك عزيز على قلبي.

يخفي امتعاضة مرة، وينحني على قدميها :

- إذا كنت شديد الإلحاح عليك، فلأني أحبك حبا غير عادي.ثم يذوب في موجة من الورود يقطفها من كل مكان، وتعود الراحة إلى صميم نفسه، قبل أن تطلب منه إحضار وجبة الفطور.

عزالدين جباري