نادي الأرقام"

حدث في الأزمنة السحيقة، أن الإنسان كان يهتم لعدد الأولاد في أسرته لأغراض العمل في الزراعة والصيد، ثم تحول إلى الاهتمام إلى عدد المجموعة البشرية التي ينتسب إليها ويتفاخر بها كما قال الشاعر العربي الفرزدق: "والعدد الذي عليه إذا عد الحصى يتخلفُ". متباهياً بحجم عشيرته الكبير.

و يحدث في عالم المال والأعمال الحديث، أن يُقيَّم الإنسان بأرقام حساباته وأرصدته المالية، ثم تحولنا فيما بعد إلى زمن الأرقام في السوشيال ميديا، فصار ذكر المشاهير يقترن في كثير من الأحيان مع عدد متابعيهم في المنصات المعروفة. وسبقَ لمؤسس علم الاقتصاد آدم سميث مبكراً أن انتبه لمعنى علاقة الإعجاب العمومي" أي إعجاب الناس" كقيمة تعادل جزءاً من المستحقات المادية؛ وهو يتحدث هنا عن الأطباء والمحامين والأدباء والفلاسفة إذ يقول: "إنه من الواضح هنا أن الإعجاب العمومي ودفع الأجر نقداً هما من نفس الطبيعة، وأن هذا الإعجاب هو مادة للاستعمال والاستهلاك".

وتقول حنا ارندت: إن الإعجاب العمومي هو ما يستهلكه الكبرياء الفردي، مثلما يستهلك الجوع الطعام.

بالطبع، ينطلق آدم سميث من تفسير كل شيء في الحياة من منطلقات مادية، لكن الحقيقة هي ليست كذلك في كل الأحوال.

فالأرقام في السوشيال ميديا التي أضحت وبغفلة من الزمن قيمة اجتماعية أضافية، هي في الواقع قيمة توَهم أكثر منها قيمة حقيقة.

فالدخول إلى نادي الأرقام الحديث، أرقام المتابعين على الانستغرام وتويتر وسواها، لا تعكس حاجة إنسانية واقعية بقدر تعلق الأمر بالهوس الشخصي للحصول على إعجاب الآخرين، أو بالحصول على وجاهة اجتماعية افتراضية

الدخول إلى عالم المشاهير، أصبح هماً وشغلاً شاغلاً للكثيرين، الذين يتفننون حد الجنون لكي يبلغوا الأرقام التي تؤهلهم إلى عضوية هذا النادي الخطير. أحزن احيانًا عندما يحمل لي "التايم لاين" ممارسات خارجة عن المألوف يقوم بها شباب وفتيات لمجرد لفت الانتباه وحصاد أكبر عدد من أرقام المتابعين، والذي يتحول بدوره إلى حلم بوسيلة للعيش السهل والمريح، وأحياناً إلى الوهم والقلق والأمراض النفسية المستعصية، لأنَ من أصعب المعادلات في الوجود هي أن تكون أنتَ مجرد شخص آخر يتخيله المتابعون وليس انتَ على حقيقتك. وكم قيل قديماً وحديثاً ولكن بصيغ مختلفة: ما معنى أن تخسر نفسك

الكاتب الروائي زين العابدين طالب عواد