"الحقيقة ليست سوى وهم .. لكنه وهم ثابت" بفائض من الخيبة، وبقدر عالي من المصداقية، يلقي (ألبرت أينيشتاين) علينا هذا الخطاب، فالفيزياء – شأنها شأن أي علم – كانت تبحث عن الحقيقة، ولطالما بات العلماء يقضون لياليهم في سعادة وشغف ورضا في عصر فيزياء نيوتن، ذلك الذي تمكنوا فيه من وضع العديد من النظريات، وإيجاد تفسيرات معقولة للظواهر الفيزيائية، وحدها بقوانين مدعومة بحسابات رياضية بالغة الدقة لا يدركها الخطأ، فهي سعادة الوصول للحقيقة.

لكن مع الدخول في عصر الكوانتم، واجتياح عاصفة الكم عالم الفيزياء، أصبحت الأرقام بلا دلالة موضوعية، ودخل العقل البشري في نفق عجائبي من الفرضيات الخيالية، حتى أن الحسابات الرياضية التي لطالما كانت دعامة الفيزياء الأساسية أصبحت في عصرنا الحالي غير ضرورية لدى البعض، بل وينبغي التحرر منها للوصول لرؤية موضوعية وحقيقية حول الأجسام الكمومية التي لا نراها حتى بالمجهر!.

ا الذي تريده الفيزياء؟

مساعي الفيزياء الأولى كانت الوصول للعنصر الذي لا يمكن تجزئته، أي العُنصر الأساسي المُكون للطبيعة، وهنا ظهرت الفيزياء الكلاسيكية لنيوتن، والتي تنطبق قوانينها على الأجسام الكبيرة، وهي الصالحة للتعامل مع ظروف حياتنا اليومية من مكان وزمان وحركة .. إلخ، أما الفيزياء الحديثة (الكم)، فهي تأتي بضجيج عارم من اللا معقول!، فمثلًا: تقول ميكانيكيا الكم بأن الإلكترون ينتقل من مدار لآخر في حركة لحظية، أي بمعنى بسيط: يختفي الإلكترون من مكانه في المدار الأول ليظهر في المدار الثاني دون أن يقطع المسافة الفاصلة، وكأننا نقول بأن شخصًا يود الذهاب إلى غرفة النوم بينما هو جالس في غرفة الصالون، وبدلًا من أن يقطع المسافة متجهًا لغرفة النوم، يختفي الشخص ليظهر فيها فجأة!، ومثل هذا الضجيج العجائبي أثار غضب العلماء الكلاسيكيين الذين هددوا بأنهم سيتركون مجال الفيزياء إذا ثبت أن هذا الكلام صحيح!.

نحو السقوط

وحيث اختلفت القوانين التي تحكم الأجسام الكمومية عن تلك التي تحكم الأجسام الكبيرة، أراد العلماء أن يوجدوا نظرية واحدة لكل شيء، أي تلك التي تنطبق على الأجسام الصغيرة والكبيرة معًا، لم ينطق مجتمع العلم في مجال الفيزياء بأي أطروحة جديدة ثورية منذ السبعينيات من القرن الماضي، ومع عدم قدرة العلماء – حتى باستخدام التكنولوجيا الحديثة – على وضع تفسيرات منضبطة وحاسمة ومنطقية لسلوك الأجسام الصغيرة، فهم عاجزون عن وضع نظرية تحكم كل شيء، تلك التي تلوح في البعيد كنجم مستحيل المنال، وهنا اتجهت الفيزياء إلى السقوط والخيبة، ومع ذلك، وحيث أن الفيزياء لم تحقق بعد طموحاتها، يظل هناك أمل في تفجر ثورة جديدة يكون منها حل للعديد من الألغاز، يعيد الأذهان إلى عصر أينيشتاين وشرودنجر وهوكينغ وإسحق نيوتن، فهل ترى أننا بصدد الدخول إلى عصر ثوري جديد من الفيزياء يستفيد من التكنولوجيا الذكية؟