لا زال التطوريون يستخدمون الجهل بوظائف الأشياء ليزعموا أنها أدلة على التطور - وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر وإلى اليوم - فبدلًا من أن يعكفوا للبحث عن وظائف كل شيء جديد يتم اكتشافه في الجسم أو الخلايا: لا؛ هم على الفور يحاولون استغلال عدم معرفة وظيفته في إلباسه دور الدليل على التطور إلى أن يُسقطه العلم، فيتحولون إلى غيره وهكذا باستمرار، وطالما وجدوا أتباعًا لديهم الاستعداد لأن يُلدغوا من الجحر الواحد ليس مرتين ولا ثلاثة ولا عشرة، بل عشرات المرات!!

فمن الأعضاء الأثرية التي لم تعد أثرية (كالغدد الصماء)، إلى الجينوم الخردة الذي تتبين وظائفه الهامة يومًا بعد يوم، إلى واحدة من أشهر قصصهم، وهي قصة التحام الكروموسوم رقم 2 في الإنسان - فما هي يا ترى؟؟

أولًا:

مقدمة علمية بسيطة لغير المختصين:

كل خلية فيها حمض نووي في الإنسان تتكون من 46 كروموسوما (أو 23 زوج كروموسومات) وكروموسوم يعني صبغي (وقد أسماه العلماء صبغي لأنهم يصبغونه كيميائيا حتى يتمكنوا من دراسته) - في حين أن الشمبانزي والغوريلا والأورانجتان في كل منها 48 كروموسوما (أو 24 زوج من الكروموسومات)

كل كروموسوم يكون على شكل X يتكون من 2 كروماتيد ملتحمان من المنتصف، وأما النقطة التي يلتحم فيها الكروماتيدان فتسمى سنترومير Centromere - وهي نفسها النقطة التي يتم إمساك الكروموسومات فيها بخيوط المغزل في طور الانفصال بعد اصطفاف الكروموسومات استعدادًا للانقسام - وأما أطراف الكروماتيدين أو أطراف الكروموسوم (أي الأربعة أطراف لحرف X هذا) فتسمى تيلوميرات Telomeres وهي تشبه رأس رباط الحذاء الذي يحميه من التلف.

إذن مهمة السنترومير:

هي تحكم الخلية في تحريك وفصل الكروموسومات

ومهمة التيلوميرات:

هي حماية أطراف الكروموسومات من التلف، ومن الالتحام بأطراف كروموسومات أخرى بالخطأ، وكذلك تعتبر علامة مميزة على عدد الانقسامات التي انقسمها الكروموسوم في حياته (يعني الإنسان يولد بنهايات تيلوميرية طويلة عندما يكون جنينا - وكلما تجددت خلاياه عبر عمره الطويل تقل التكرارات التيلوميرية شيئاً فشيئاً حتى تشيخ الخلايا)

وبما أنّ الحمض النووي في الكروموسومات يتكون من 4 قواعد (هي مثل حروف الشفرة واللغة التي تحدد صفات الكائن الجسدية) وهي التي نرمز لها بأول كل حرف منها: CGTA، فإنّ منطقة التيلومير لها تكرار معين محدد (هو التتابع TTAGGG مكرر آلاف المرات)

ثانيًا :

فرضية الالتحام

حيث نعود إلى احتكام التطوريين للجهل في افتراض (أعضاء ضامرة أو آثارية) - فنرى أنهم طبقوها هذه المرة على الإنسان والشمبانزي باعتباره أقرب الرئيسيات إليه (كتبنا أيضًا عن وهم التقارب الجيني سابقًا - إذ أنّ الفروض التطورية تهدم كل حين مع تقدم العلم الذي يهدم كل شيء فيها إلا الاسم!! حيث يجب أن يبقى التطور صحيحًا حتى لو تغير بالكامل)

فقبل انتهاء مشروع فك جينوم الإنسان بالكامل، اختار التطوريون منطقة في الكروموسوم رقم 2 في الإنسان تتكرر فيها عدد من التتابعات TTAGGG رغم أنها بداخل الكروموسوم بجانب التي على أطرافه - وهنا قالوا على الفور: أنّ هذه المنطقة هي نتيجة التحام 2 كروموسوم من سلف الإنسان والشيمبانزي!! لأنه لو التحم 2 كروموسوم فإن تيلومير طرف هذا مع تيلومير طرف ذاك سيعطيان تكرارات تيلوميرية كبيرة في المنتصف!!

ثم ما لبثوا قليلا حتى عثروا على تتابعات تشبه تتابعات السنترومير كذلك في نفس الكرموسوم رقم 2 في الإنسان (بجانب السنترومير الأصلي الذي فيه) فقالوا أنّ هذا ما يؤكد كلامهم!!

وبذلك استطاع التطوريون تقديم واحد من أقوى أدلة تطور الإنسان على الإطلاق كما يصفونه (وفسروا بذلك أخيرًا لماذا الإنسان 46 كروموسومًا بدلًا من 48 مثل الشمبانزي والغوريلا والأورانجتان) - بل وكان أحد الأدلة الحاسمة التي استخدموها في محاكمة دوفر الشهيرة عام 2005 أو كما اشتهرت باسم (كيتزميلر ضد دوفر) Kitzmiller v. Dover !!

والآن ...

هل تصح هذه الفرضية حقًا وخاصّة مع توالي الاكتشافات الحديثة؟

أم تسقط مثل كل أدلتهم طيلة 150 سنة؟!

ثالثًا:

مخالفة الأدلة للفرضية

لقد اتضح مع ظهور بيانات الحمض النووي بصورة أكثر تفصيلًا وخاصةً بعد انتهاء مشروع فك جينوم الإنسان بالكامل: أنّ التطوريين لم يفعلوا في اختيار البيانات إلا مثل الذي يختار حبات الطماطم Cherry-picking بحسب ما يريد فقط لا أكثر ولا أقل!! فهم يبحثون عن البيانات التي يعلمون أنّها تفيدهم فيما يريدون قوله، ويتركون البيانات التي تخالف فروضهم!!

هذا فضلًا عن تجاهلهم التام أنّه لو صحّ هذا الالتحام فإنه من المفترض أن ينتج عنه تشوهات في الأجنة كما نرى اليوم في متلازمات مرضية كثيرة!! بل وسيظهر 2 سنترومير في الكروموسوم رقم 2 في الإنسان: فكيف ستمسك الخلية بهما في مرحلة الانقسام مع أول فرد وقع فيه ذلك الالتحام المزعوم؟! وتوضح تلك الدراسة فكرة استحالة وجود 2 سنترومير فعالين وأنّ ذلك سيؤدي إلى حدوث انهيار خلوي!

دعونا الآن نتحدث بلغة الدراسات العلمية لنرى صحة تلك الفرضية

  1. إذا كان تمّ التحام تيلومير على طرف كروموسوم بتيلومير على طرف كروموسم آخر، لينتج منطقة تيلومير في الكروموسوم رقم 2 في الإنسان: فهذا يعني أنّ تلك المنطقة التيلوميرية يجب أن تكون مجموعة من التكرارات الطويلة (لأنها تجمع 2 تيلومير) - لكن دراسة قامت بمقارنة ذلك مع منطقة الالتحام المفترضة (ومقارنة ذلك مع فترة تطور الإنسان المزعومة عندهم من السلف الرئيسي من 6 مليون سنة) .. فتبين أنها قصيرة جدًا عن أن تكون التحام 2 تيلومير!! وأنّ المنطقة ناقصة بشكل كبير جدًا!!

تُظهر هذه المنطقة أنّ عدد التكرارات التيلوميرية في هذه المنطقة مكونة من 798 قاعدة نيوكليوتيدية فقط، بينما من المفترض أن يكون العدد في حدود 30000 قاعدة .. أي أنّ التكرارات الموجودة لا تجاوز 2.7 في المائة من العدد المفترض تواجده، ولا أحد لديه أي تفسير عن "تبخر" هذه القواعد الباقية!

عنوان الدراسة من 2002م:

Genomic Structure and Evolution of the Ancestral Chromosome Fusion Site in 2q13–2q14.1 and Paralogous Regions on Other Human Chromosomes

الرابط :

  1. وجدت الدراسات أساسًا أنّ منطقة الالتحام المزعومة هذه تقع داخل جين فعال، هو جين DDX11L2 الذي يتم تعبيره في الإنسان، فكيف يتسبب اندماج تخيلي لمنطقتي تيلومير (طرف مع طرف) في تسلسل جين فعال؟ ليس هذا فقط، بل إنّ هذا الجين الموجود في الكروموسوم 2 في الإنسان في منطقة الالتحام المزعومة، أو أي جين آخر بجواره في نطاق 615,000 قاعدة، غير موجودة على الإطلاق في الكروموسومين 2A و 2B في الشيمبانزي .. هذه الكروموسومات التي زعموا أنّ الاندماج قد حصل منها!

الدراسات:

نتابع :

  1. في دراسة أخرى تناولت منقطة الالتحام المزعومة، وجدت الدراسة أيضًا أنّ الفارق الفعلي بين التكرارات المفترض وجودها وبين ما هو موجود، هو تشابه صغير 28% فقط (يعني وجدوا المنطقة تحتوي على 158 تكرارًا: منها 44 فقط متطابقة مع الافتراض التطوري عن الالتحام)

المصدر:

Daniel Fairbanks, Relics of Eden: The Powerful Evidence of Evolution in Human DNA (Amherst, NY: Prometheus, 2007), 27

والسؤال الآن:

هل مسألة وجود تكرارات تشبه التيلوميرات أو غيرها هي مسألة فريدة وغير موجودة إلا في الكروموسم 2 في الإنسان؟!!

دعونا نرى

  1. إنّ وجود تتابعات لتكرارات تيلوميرية داخلية Interstitial telomeric sequences - ITSs (أي بعيدة عن مكان التيلومير الفعلي على طرف الكروموسوم) هو في الحقيقة أمر متكرر، وموجود في كروموسومات أخرى في البشر مثل كروموسوم 9 و 22 (وليس الكروموسوم 2 فقط)!! وذلك بنسبة تَشابه تتراوح بين 96 الى 99% مع قطع الاندماج المزعومة في الكرموسوم 2 الذي بَنى عليه التطوريون قصتهم الخيالية!!

فلماذا اختيار الكروموسوم 2 بالذات؟ إنه الخيال التطوري!

هذه الدراسات من 2011 تثبت وجود تلك التشابهات في كروموسومات أخرى، بل وتثبت أنّ لها وظائف في التنظيم الجيني:

الروابط:

بل ونفس التكرارات هذه موجودة أيضًا في كائنات أخرى مثل الفئران والبقر!!

بل وحتى في كائنات بسيطة جدًا مثل الخميرة كما في هذه الدراسة من 2015 بعنوان:

Expansion of Interstitial Telomeric Sequences in Yeast

الدراسة:

بل وُجد أنّ هذه التكرارات نفسها الموجودة بمنطقة الاندماج المفترضة فى الكرموسوم 2 في الإنسان موجودة أيضًا في وسط كروموسومات أخرى في الغوريلا والأورانجوتان!

هذا عنوان الدراسة والتي ذكرناها آنفًا:

Genomic Structure and Evolution of the Ancestral Chromosome Fusion Site in 2q13–2q14.1 and Paralogous Regions on Other Human Chromosomes

الرابط :

/

والمشكلة هنا:

أنه وفقًا لمزاعم التطوريين في السيناريو المزعوم: فإنه من المفترض أنّ هذه المناطق في كروموسوم 2 في الإنسان هي حديثة التكوين نتيجة الالتحام الذي من المفترض أنه قد وقع بعد انفصال الإنسان عن السلف المشترك مع الشيمبانزي!! ولهذا ليس من المفترض أن نراها في أنواع الرئيسيات الأخرى الأقدم حسب النظرة التطورية مثل الغوريلا والأورانجوتان!! بل وهناك الأعجب وهو وجود شبيه بتلك المناطق في الغوريلا والانسان، وغائبة تمامًا في الشمبانزي (نفس المصدر والرابط السابق)!!

وعلى هذا فتفسير التطوريين العجيب هو،

إمّا أنّ الأورانجوتان والغوريلا قد حصلوا على هذه المناطق (بالصدفة البحتة والعشوائية العمياء) في نفس الأماكن التي في الإنسان بعد عملية الانفصال!!

وإمّا أنّ هذه المناطق كانت موجودة في السلف الأول قبل انفصال سلف الإنسان أصلًا عن القردة العليا، ثم فقدت من السلف المشترك بين الانسان والشمبانزي، ثم عادت فجأة وبدون مناسبة في الإنسان!! .. ولا حكايات ألف ليلة وليلة!

  1. ماذا إذًا عن منطقة السنترومير؟

منطقة السنترومير في الكروموسوم كذلك لها تسلسلات DNA محددة تعرف بتسلسلات Alphoid DNA تَمكن الدارسين من تمييزها، وهذه التسلسلات تملأ الجينوم البشري بأشكال وتصانيف مختلفة لكل منها وظيفة.

في الكروموسوم 2 في الإنسان، هذه التسلسلات التي افترضوا أنها سنترومير قديم لا تشبه أصلًا أي تسلسل لأي Alphoid DNA في أي مكان آخر في أي سنترومير فعال في الجينوم البشري.

ليس ذلك فقط، بل إنها كذلك مختلفة عن أي تسلسل من نفس النوع في أي مكان في جينوم الشيمبانزي

المصدر:

ما تفسير التطوريين؟ لابد أنّ هذه التسلسلات قد تم استنساخها مرات كثيرة جدًا في عملية تطورية (سريعة جدًا) ثم تغيرت كليًا!

وهكذا يتم وضع التطور على عصا تغيير السرعات حسب الطلب، ساعات سريع جدًا، وساعات بطيء جدًا .. (حسبما يتفق لتأييد الحدوتة التطورية!)

كل هذا:

ولاحظوا أنّ واحدة من أهم أدوار التيلوميرات أصلًا أنها تحمي الكروموسومات من الالتحام من الأطراف!! وهذا ما نال عليه 3 دكاترة جائزة نوبل مشاركة عام 2009!!

العنوان:

The Nobel Prize in Physiology or Medicine 2009

الرابط من موقع جائزة نوبل:

وسبب الفوز بجائزة نوبل كما هو مكتوب بالنص:

لاكتشافهم كيف يتم حماية الكروموسومات بالتيلوميرات وإنزيم التيلومير

for the discovery of how chromosomes are protected by telomeres and the enzyme telomerase

وبالنظر إلى أنّه لم يتم أبدًا رصد ولو حالة واحدة في أي كائن لاندماج كروموسومين بشكل رأسي (تيلومير-إلى-تيلومير)!

أي أنّ الاستدلال كلها فاشل نظرياً وتجريبياً!

إذًا :

متى يتوقف التطوريون عن إلباس الجهل بوظائف الأعضاء والخلايا لباس (الدليل)؟!

ومتى يتوقف غير المختصين عن الثقة العمياء بهم؟!