العقد الفريد..

عقد بالتمام والكمال، وإنه والله لهو العقد الفريد، وعقد منذ اول يوم فيه لا يشبه شيأ مما قبله، وإن كان إبن عبد ربه الاندلسي قد أسمى كتابه الأدبي بالعقد الفريد لأنه عنون كل باب فيه باسم حجر كريم، فيجوز لنا ان نعنون عقدنا بأسماء بلادنا ، فلا اكرم منها واهلها، فنفتتح عقدنا بفلسطين تتلوها تونس تتلوها حبة كبرى فاصلة فتكون مصر ثم ليبيا ثم اليمن، وتعود حرة كبرى فاصلة فتكون سوريا ثم الجزائر ثم السودان وأخرى فاصله العراق ثم لبنان ثم يتصل آخر العقد باوله ونعود لفلسطين التي منها يبدأ وفيها ينتهي كل شيء.

قبل عشر سنوات كنا بمنتصف عقدنا الفريد الاستثنائي، اي بسوريا، فبمثل هذا اليوم لبى ألاهالي نداء أبنائهم على جدران مدارسهم، ولا يحق لي أن اسميهم اطفال فهم جيل العقد الفريد وصناعه، هم جيل الثورة.

كما أن اقدارنا مرسومة بقدرة إلهية لا مجال فيها للصدف ، فليس من الصدفة ان تتوسط سوريا العقد كما ليس من الصدفة ان تكن الفواصل فيه هي حباته الكبرى فهم أجنحة الأمة التي بها تعل وتهوي.

لم ارى دمشق حقيقة لأني من العالقين بالبداية في فلسطين، لكني عرفت الدمشقيين في المكان الذي جمعنا واحدا قبل أن تفرقنا حبال المتاهة وتجعلنا حبات متفرقة وإن كنا إلى جنب،"اسطنبول" وإنه ليليق بهم ان يكونوا أهل بلد الياسمين شكلا وفعلا، وإن كان الحبل قد اشتد على رقابهم ورقابنا واختنقنا جميعا ولم يعد يسمع منا إلا حشرجة من اوشك على الهلاك، فما اشتد الأمر إلا لينفرط ويتراخى، وإني على يقين انه سيزهر من رحم المحنة ياسمينا ابيضا يشبههم، له عبق أنفسهم حين أطلقت صرختها الأولى بالهتاف معلنة الميلاد القادم، غصونها متفرعة متشابكة بآن كالايام والليالي التي جمعتهم بميادين الثورة والأحلام ، وجذعها مغروسة بثبات راسخ كما ثبتت الثورة بقلوبنا، سميك كاصرارهم على إكتمال قمرنا ليتلوه فجر ابلج يمح سواد الليل وكدره معلنا ميلاد النور الذي قدموا لأجله قرابين وتضحيات لما يرى لها مثيل.

النور الذي كانت محاولات زرعه بقلوبنا شاقة فاشله على مر عقود، وحين تم بامر الله وحملت به قلوبنا كانت سنين الحمل شاقة مضنية ثقيلة ومريرة، لكن القلب هواه قبل أن يراه ، واصر على إتمام حمله وميلاده رغم كل من حاولوا إقناعه بالاجهاض بكل المغريات التي ظاهرها رحمة وباطنها عذاب و حقد اسود ، وحين رفض أرادوا اجهاضه قسرا بكل وسيلة لكنه قاوم ويقاوم.

وبعد عقد كامل قد بلغ الحمل أشده وما بقي الا يسيرا، وحين تأذن المشيئة الإلهية بالميلاد العظيم سينهمر الفرح كما انهال الأسى فوق رؤوس الجميع ويعم الخير كما عم البلاء، ويكلل العقد وإن طال عن عقدنا المألوف بعام يغاث فيه الناس بعد السنين العجاف، ونرى لئالي عقدنا بيضاء كفلق الصبح .