"زُر توزر إن شئت رؤية جنة، تجري بها من تحتك الأنهار"

تلك الابيات من الشعر للمؤرخ ابن الشباط التوزري هي اول ما يعترضك عند دخولك لتوزر " بلاد الجريد" .

توزر بوابة الصحراء و خط بداية الصحراء الكبرى ، الكلمات وحدها لا تكفي لوصف جمالها و روعة طبيعتها الخلابة التي سحرت العقول وسلبت القلوب.

جنة الواحات أو عروس الصحراء كما يحلو لنا أن نطلق عليها، ففيها مليون أو ربما أكثر من مليون نخلة تمتد على مساحة كبيرة و تغطي كل المدينة بجمالها .

كذلك لصحرائها سحر و جمال خاص ليس كما يتصورها البعض ، زادتها الكثبان الرملية الممتدّة مدّ البصر جمالاً على جمال.

واحاتها الغناء تفتح ذراعيها ليدخل عشاقها و يستنشقوا

عبير نفحاتها من الطيب و روائح الفردوس المنبعثة من أرجائها ، فتستقبلهم بأشجارِ نخيلها الباسق الشاهق لينتج أجود أصناف التمور العالمية ◇ دقلة النور ◇ وينابيع مائها العذبة، التي تنمو من حولها أعشاب خضراء تكّون بساطًا يحلوا للعين رؤيته ويهب للسكّان الحياة، و ظلّا يقي الإنسان حرّ اشعة شمسها صيفا.

إذا تجولت في وسط المدينة و تحديدا في مدينتها العتيقة أو ازقتها و حتى بين النخيل في وسط الواحات ، يذهب عقلك إلى عالم الخيال من هدوءِ المكان ، ففيها ألغاز وأسرار لا يدركها سوى عاشقيها ، فهي مصدر سحر و إلهام و لوحة فنية من إبداع الخالق و جهد المخلوق الذي كرّس كل وقته لخدمتها.

اما عن معمار توزر فهو لوحة فنية بامتياز ، فعند أول بيت تشاهده ، سيخيّل إليك أن عمارة المدينة كأنها تخرج من قلب الرمال، منازل مبنية من الآجر المصمم بطريقة خاصة يعطي طابعا مميز لهذه المدينة الجميلة ، نطلق عليه ال'قالب' يزين جدران المنازل في كل أنحاء المدينة.

في داخل بعض البيوت العتيقة التي حافظت على طابعها الاصيل فتجد الاسقف المزخرفة بخشب النخيل .

النخيل هنا يرافق المرء في من المهد إلى اللحد , كيف لا و نحن منذ نعومة اظافرنا تنتسج بيننا وبين الجريد علاقة وطيدة .. منه يصنع مهدنا ثم لعبنا وجزء كبير من مسكننا و طعامنا وشرابنا ، أما حين يتعب المرء من الدنيا وتتعب منه، ويغادرها إلى مثواه الأخير، فإن ألواحا من جذوع النخيل تغطي قبره، وتلازمه هناك إلى أبد الأبدين .

للنخيل هنا عصير يستخرج من جذوعه ، عصير نطلق عليه "اللاقمي" يرى فيه الكثيرون دواء مناسب لكثير من الأمراض ، لكنه قد يتحول إلى شراب " الشيطان" يطيح بالعقل..

اما بالنسبة للتمور فتجنى خريفا ، وقد كانت إلى وقت قريب تخزن في الخوابي توقيا من تقلبات الزمان.

في توزر و اين ما ذهبت ترى البسمة على الوجوه و حسن الضيافة فهي المدينة التي يطيب فيها العيش الكريم .

محمد مخلص ناصري