حَياتُنا المليئةُ دومًا بالتقلّباتِ، ولحظاتِ الجنونِ، والهدوءِ، والعُنْفُوَان، تَجْعَلُهَا جديرةً بالمغامرةِ، والتّحدّي رغمَ كلِّ الظُّروفِ، هذا ما علّمني إيّاه، وبعضُ ما تَرَكَ في نفسِي.
صوتُهُ الجّميلُ السّاحِرُ، كان ينبّه حواسي، يدفعني دفعًا لاقتحام أهوال الواقع وتقلباته، يجعلني أُحطّم كلَّ الحواجزِ والقيودِ التي تَحول بيني وبين حريتي، صوت «سيناترا» أغانِيهِ، كَلِمَاتُهُ، كانت تُلْهِمُني، موسيقاهُ عَبَرتْ روحي، جعلتنِي أعرف معنى أن يؤثر عليك شخصٌ، ويُلْهِمَكَ، دون أن تلتقيه أبدًا.
شَكّلَ «سيناترا» بِصَوتِهِ وأغانيه وجداني الفنّي، وأعطاني القدرة على تذوّقِ الألوانِ، ورؤية الألحان، بكلَّ ما تعني كلمةُ رؤية من معنى. ولم أكنْ وحدي واقعاً في ذلك السّحر الموسيقي. فعشاقه كُثُرٌ، وذِكْرَاه المتجددة كل عام، تؤكد على عميق أثره في وجدان العالم وذَاكِرَتِهِ الموسيقية.
مِئَةُ عامٍ مرّتْ على وِلادَةِ مطربِ أمريكا الأشهر « فرانك سيناترا»، وما زالت ذكراه تُؤجّج مشاعرَ الشوق إلى ذلك الإنسان الفنّان.
عَرَفهُ بالنّاس بالمغامر الجسور، والعاشق الوله، لقّب بالأسطورة، غنّى أجمل غناءٍ، ورقص َوأقامَ الحفلاتِ في أرجاءِ العالمِ، فَعَلَ كُلَّ شيءٍ على طريقته، وأحبّه النّاسُ كما هو.
يُنْسَبُ له الفضل في تجديد الأغنيةِ الأمريكيّة، بالشّكل الذي وصلت إليه اليوم، منذ أن بدأت شهرته في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، مع فرقة « البيج باند» الشّهيرة في ذلك الوقت.
ولد «فرانك سيناترا» عام 1915 في ولاية نيوجيرسي، لجذور إيطالية، وعاش طفولة بائسة لأم قوية الشخصية، وأب ضعيف مدمن على السّكر، بدأ صعوده المفاجئ عندما كان في أوج شبابه، وتألق في مجال التلحين والغناء، ومع صعود نجمه تتالت حوادث حياته بين نجاحات وانكسارات، ومحاولات انتحار، وانهيار شبه كامل في حياته الشخصية وفي زواجه، ثم عودته المفاجئة ليفوزَ بجائزة الأوسكار، ويحقق أبرز ظاهرة فنّية عرفها القرن العشرين -كما ورد في السيرة الذاتية التي رواها عنه الصحفي والروائي الأمريكي «جميس كابلان»- ظاهرة تفوقت حتّى على ظاهرة «ألفيس بريسلي» وفرقة « البتلز»، لقد كان أمير أحلام الفتيات، والمثال الأبرز لشباب تلك المرحلة.
وتعدّ أغانيه مزيجًا بين الكلاسيكيّة، وأنماط مختلفة، كما أن أفلامه لا تقلّ أهمية عن أغانيه، فقد كان بطلاً لأكثر من 60 فيلمًا، ومنتجًا لثماني أفلام.
عمل أثناء دراسته في أحد الصحف المحليّة، وبعد تخرجه من المدرسة بدأ الغناء، بدأ بترديد أغاني «بينغ كروسبي» في وقت فراغه، قبل أن يشارك في مسابقة المواهب الغنائيّة، ويفوز بها ليتفرغ للغناء في المحطّات الإذاعيّة، والنوادي الليلية، وكانت لاس فيغاس أكثر من احتضن هذا الفتى المبدع.
يعدُّ «فرانك سيناترا» واحدًا من أصل اثنين وعشرين شخصًا حاصلين على «ثلاث نجوم» في ممر الشهرة في هوليوود.
ولعلَّ أغنية «My Way» أشهر أغانيه، والتي لَخّصَتْ حياة ذلك الفتى ابن المهاجر الإيطالي في أرض الأحلام، ليصبح «سيناترا» مغني المراهقين الأول، وقد انضم إلى عدد من الفرق الموسيقيّة مثل فرقة « أوركسترا ترومبونيست تومي دورسي»، وكان لانضمامه إلى هذه الفرقة أثرٌ كبيرٌ في نجاحاتها فيما بعد، لتتصدر أغنياتها قائمة أفضل الأغاني.
خلال عقد الستينات شارك سيناترا في بطولة عدد من الأفلام، مثل فيلم Ocean’s Eleven والذي لاقى نجاحا كبيرًا، وفي عام 1954 نال جائزة الأوسكار عن فيلمه «من هنا وإلى الأبد».
وفي عام 1971 قرر اعتزال الفن والتفرغ إلى عائلته لكنه سرعان ما تراجع عن اعتزاله في عام 1973 واحتل المرتبة الخامسة عشر في استفتاءات أفضل الألبومات.
خلال الثمانينيات ركّزَ على إحياء الحفلات الفنية وفي التسعينيات عمل «دويتو» احتل القائمة الأولى في الترتيب الغنائي العالمي.
ثم للمرة الثانية والأخيرة، يعلن عن اعتزاله الحقيقي.
وافته المنيّة سنة 1998، بعد رحلة طويلة وعن عمر ناهز اثنين وثمانين عامًا قضى أغلبها في ثورته الموسيقية والفنية، إلى أن رحل عن دنيانا وتوقفت قدماه عن الرقص إلى الأبد.
ولعلّ أحد أهم بصمات سيناترا أنه استطاع بأغانيه أن يجعل الناس يعيدون التفكير في كثير من مشكلات هذا العصر، بطريقته وأسلوبه المتمرد على كل شيء.
التعليقات