قد يسأل سائل لماذا يتم إبعاد ذوي الأهواء الخاصة و العواطف في صناعة القرارات العقلانية المصيرية و منعهم من تصدير الأحكام و القوانين بناء على الأهواء الخاصة فقط ؟ هل هذا عادل أو غير عادل ؟

إذا طلبت من شخص رومانسي عاطفي أن يحسب لك جمع ( 1+1 ) فمن المحتمل أن يعطيك الناتج ( 3 ) بدل الرقم الحقيقي ( 2 ) بحجة أنه يشعر بأن رقم ( 3 ) لديه شكل جذاب أكثر و محبب إلى قلبه و يذكره بتاريخ ميلاد حبيبه ، و لذلك فالعاطفة لطالما خربت الحقائق و القوانين و الأنظمة و هي لا تصلح للعلوم العقلانية و لريادة الأعمال النظامية و قيادة الدول التي فيها منطقية و صرامة .. و لكن مع ذلك يجب إشراك العاطفة و السعي إلى تفعيل دورها بالشكل الذي يضمن جميع الحقوق النفسية العاطفية بحكم أننا جميعا بشر محكومين بغرائزنا و عواطفنا التي لا مهرب و لا مناص منها ..

فالعاطفيين من نقاط جاذبيتهم و قوتهم أنهم مناسبين للدبلوماسية و العلاقات و النفسانيات و الفنون و الموسيقى و الدراما و الأعمال التي تتطلب عنصر الجمال و الإبداع و الانحراف الجمالي عن المألوف و لكن لا يصلحون للنظام و الأعمال المنطقية ، يجب أن يتم قبول هذه الحقائق كما هي ، و رفضها لا يغير شيئا ، بل إنه يقود الواقع إلى الأسوأ ..

مهلا لم ننتهي بعد قد يظن و يعتقد بعض القراء السطحيين المتسرعين و غير الصبورين أننا نقلل من شأن و أهمية تحكيم العواطف في هذا الموضوع و لكن هذا غير صحيح .. لأن محدثكم لا يقلل من دورها و يدرك تمام الإدراك أن المشاعر الجميلة زينة الحياة و هو شخص حدسي بشكل متوازن بين مشاعره و عقله و هو شخص يحب العاطفيين و يحب فنونهم و حساسيتهم و يقدر الجمال و الإبداع الذي لولا عنصر العواطف الجميلة ما كان ليكون و يحصل و نتمتع به .. لذلك كونوا على اطمئنان بأننا نحب كل شيء إيجابي يبني و يساهم بالفائدة و في ترقية الإنسانية سواء كان عملا عاطفيا أو عملا عقلانيا ، و على النقيض نرفض السلبية سواء كانت عاطفية أو عقلانية ..

و لكن الحقيقة هي الحقيقة و علينا الإعتراف بها ، فالحياة لا تعتمد على عنصر المشاعر فقط و على ما نحب و نهوى وفق مشاعرنا فقط متجاهلين القوانين و الأنظمة العقلانية التي ألصقنا بها تهمة النرجسية الجارحة و القاسية و عديمة الإحساس ، و لكننا بدونها لا نستمر و ما كان للدنيا أن تقوم لها قائمة ، و بالتالي علينا تفويض و ترك ما لا نجيده إلى من يجيده .. و السعي إلى معرفة دورنا و موضعنا و مسارنا و وظيفتنا في الحياة ..

لذلك من الغريب و العجيب جدا أن تسمع و تتلقى تهم عاطفية قاصرة عن كونك جارح للمشاعر بقولك للحقيقة على منوال قولك بأن ناتج جمع ( 1+1 ) = ( 2 ) ، ليس علي أن أداهن مشاعرك و حبك للرقم ( 3 ) حتى أكون لينا و صحيحا بالنسبة لك ، فإذا قلت لك ( الناتج 3 ) أكون قد خنت الحقيقة و خنت العقل و قد خنت نفسي خيانة لم يسبق لها مثيل من أجل إرضاء ميولك و عواطفك و جهلك و هذا ما لا يجوز و ما لا يصح و ما لا يرضاه الخالق .. لذلك حاول التمييز و النضوج و التوسع خارج حدودك ، لأن تكرار مثل هذه التهم عبر مر العصور و الأزمان هو ما يجلب الصراعات للحياة ، و منه عليك أن تدرك بأن الحياة ليست هي ما تظنها و تتصورها في ذهنك ، لأن ما تدركه و تتصوره هو نسختك و رأيك و ما جمعته فقط و هو محدود بنفسك و ظروفك و محدود بعوامل كثيرة ، لأن الحقيقة القطعية الصحيحة للحياة لا يعلمها سوى خالقها الذي خلق الناس مختلفين متنوعين في أفهامهم و شخصياتهم و طرق فهمهم و نظرتهم للعالم من حولهم ، و كل ذلك خاضع لحكمة و لهدف لا يعلمه سوى الخالق ..