لا أدري هل يُعقل أن أحتار في تحديد إن كان العنوان هو وصف تلك الفئة وذلك المكان أم هو إفتراء عليهم، على كل حال سأتجة لوسيلة الهروب المعتادة والتحلي بالرسميات وما يقوله الدستور والمجتمعات وسأكتب العنوان كما قُدّر له أن يكتب، كوني صحفي في قسم الجرائم والقضايا الغامضة عملي مرتبط كثيراً بالأماكن الغريبة، السبق الصحفي والأسرار التي أنفرد بها كانت تستوجب مني المخاطرة والذهاب أياً كان المكان والتوقيت، ترددت على هذا المكان كثيرا، عادة أدون ما يقوله أحدهم، كلامهم تفوح منه رائحة الخوف، لو كان هؤلاء مجانين حقاً، لما تنتابني الحيرة والغموض من حديثهم! ، لماذا لمواضيعهم وقع أكثر جدية من حديث العامة في الشوارع وعلى مواقع التواصل الزائفه!، لطالما رافق وصف الجنون أشخاصاً غيروا الكثير في تاريخ البشرية؛ بدءاً من الأنبياء مروراً بالمخترعين وصولاً بأشخاص آمنوا أن هناك أموراً خاطئة تحدث في العالم ويراد لها الكتمان، وكان مصيرهم الموت الأبدي؛ أو التدريجي في مثل هذة أماكن.
آدم؛ فنان ذاع صيته في هوليوود، كان خياراً رائعاً لأدوار الغموض والجريمة،حتى أنه أصبح رائد المشهد التمثيلي الأكثر إستخداماً في الوثائقيات التي تتحدث عن نظرية المؤامرة ،دفعته أدواره للبحث عن مصادرها، حتى وإن كان الأمر هو محور عمله فلابد من البحث والتعمق به، ولكنه إتخذ وسائل مختلفة للبحث غير التي يستخدمها الباحثين، كونه مشهور فمن المحتمل أن الشخصيات الهامة التي يعرفها لديها معلومات، وبالتأكيد صانعي السينما لا ينفقون على هذا النوع من الفن من فراغ، بالطبع توجد رسائل أو معلومات أو ما شابه ذلك.
أخذه البحث لطرق كثيرة، وبالربط بينها توصل لحقائق صادمة، لم يصدقه أحد، إتهموه بالجنون مؤخراً ، الناس تريحها حياة القطيع؛ حتى وإن تظاهروا بغير ذلك، وحينما كان يتحدث أثناء إستضافته في البرامج التلفزيونية كان حديثة قاسياً على الأسرار لكنه كان سريع التبخر، يتناقله الناس لمدة لا تزيد عن موعد رجوعهم لنومهم، سبات عميق في حياة روتينية ضيقة، أنتابته الحيرة، لماذا وصل الناس لهذا الحد!، أرهقهم السعي الجارف في عالم كبير ضيقته حدود وضعتها أنظمة لا تريد للعوام أنت يفكرون أو يحلمون، هنا حيث نهاية سعيك حتى وإن طال؛ لن تتخطاه إلا بإرادتنا، هناك قوة خفية تتحكم في عقولهم، تتحكم لدرجة أنها قادرة على جعل الحقائق قصيرة المدى.
سأتابع الحديث على لسان آدم، حيث أني إعتدت على زيارته في (مستشفى المجانين! )، كنت أستمتع بحديثه رغم أني كنت أسخر منه في بادئ الأمر، تحدث آدم قائلاً:
يأست أن يستمع الناس أو أن يتجاوز تفكيرهم غرفة التلفاز، فقررت أن أتخذ نهجاً آخر في إيصال رسالتي، كنت كثير الخروج عن النص في المسرحيات،كانت وسيلتي لتحريف ما يلهون الناس به، إضافة بعض الحقائق للمحتويات الفارغة يعطي شرفاً لتلك المهنة،
ما شجعني في البداية كان أن الصف الأول من الحاضرين كان عادة من الشخصيات الهامة المشهورة أو المسؤولين، حفزني تواجدهم إلى النظر في أعينهم وأنا أقول ما لا يحبذون سماعه، كنت أحترف أن أقوله في تراجيدية مؤثرة وسط مسرحية ساخرة، كانت تستهويني صفقات الحاضرين الحارة وصافراتهم حينما أبدء بإشعال الجحيم، حتى وإن كانوا لا يكترثون كثيراً بالمضمون؛ لكنه كان كافياً لإشعاري بأنه لازال هناك أمل، كانت تلك ما يدعونها بسقطات أو خروج عن النص سريعة الإنتشار على مواقع التواصل الاجتماعي ، لدرجة أنها أحياناً كانت تُسرب أو تُقطع من تسجيل مصور للمسرحية وتُعرض قبل عرض النسخة الأصلية على الشاشات.
لم يعترض المنتجين والمخرجين على ذلك، بل وحفزوني على المزيد، كانت المشاهدات ترتفع وعدد الحضور في إزدياد، وطالما حضر المال لا داعي للحديث عن أي شيء آخر، سأذكر لك بعض المشاهد التي فعلت بها ذلك.
في مسرحية كانت تتحدث عن شخصية شاب بسيط أحب إبنة أحد الأثرياء ودون الدخول في تفاصيل يعرفها الجميع، فالمَشاهد في سياقها لا تتغير، وبعد زواجهما الملحمي في المشهد الختامي، كان قد حان الوقت لقلب الطاولة، وقفت في منتصف المنصة قائلاً:
كانت قنوات المصارعة الحرة حريصة على رسالة في بداية كل نزال "لا تجرب هذا في المنزل أو المدرسة؛ فهذا خطر! " أعتقد أنها فعلت إسوة بشركات صناعة التبغ، ولذلك من أمانتي الفنية إسمحوا لي أن أقول لكم، لا تبحثوا عن مثل ما شاهدتموه اليوم خارج حدود هذا المكان؛ ولا داخله إن كنت أتيت رفقة فتاة ذات مستوى مادي أعلى منك.
العالم لا يعترف بمنطق السينما، هذا النوع من البشر أخطر من سذاجته التي رسمناها في مخيلتنا، ستتظاهر دوماً بالفضيلة ولكنها ستضعها تحت قدمك لتريك وتحرقك غيظاً وهي تذهب لمن رأت فيه تلبيه لرغباتها أو شهواتها، أما إن كانت من النوع الآخر الساذج الذي يتظاهر بالفضيلة وينادي أيضاً بالتحرر وال open mind، اتركها... اتركها وأرضى برجعيتك، حتى لا تتزوجها قبل أن تكتشف أنها كانت بطريقة أو بأخرى عاهرة.
كان هذا المشهد كقنبله سرعان ما أشعلها فئة كبيرة ممن أعمتهم معاني الحب الفارغة عن سماع الحقائق، كانوا ينتظرون من يسمعهم هذا، لم أتصور رجل يضحي برجولته من أجل معاني المغرمين ال فارغين!.
أتذكر بعد إنهائي لتلك الكلمات رأيت بعض الشباب يتركون رفيقاتهم ويخرجون خارج القاعة بلا عودة.
في مسرحية أخرى، أعتقد أنها كانت تحاكي إحدى مسرحيات شكسبير، كانت تتحدث عن الإنسان والبحث عن الفضيلة، تعجبت كثيراً أثناء أدائي لدور جراسيا، شاب يلهث وراء أشياء لا يفهمها، لكنه يبحث عن شئ واحد فحسب؛ الكمال أو جوهر الذات، لا أخفي عليك أني كنت أمثل الدور بدقة وفي نفسي ساخراً مما أفعله، كيف يبحث الإنسان عن الكمال!، لماذا يضطر الإنسان دوماً أن يتمرد على وسع إنسانيته، لماذا يذهب إلى المجهول، يعرف أن ما يرضي ملذاته يقتله بالبطئ لكنه يفعله، وآخر خولت له سلطته على الناس أن يستعبدهم ويقتلهم وهو يكنز الظلم ويسرق قوتهم وينام خائفاً لأنه موقن أن النفس الذي يخرج منه قد لا يعود، كل قبيح ينتشر في الأرض بدايتة الإنسان، هو أكثر من أهان هذا الكون، الغريب والمضحك أيضا أنك إن أردت إهانته تصفه بالحيوان! ، أخبرني؛ هل رأيت يوماً فيلاً يهاجم البشر، هل هاجمك يوماً ذلك الثعلب المكار الذي يسكن في تلك الغابة، يبدوا أن هذا الحيوان هو من صنع القنابل والأسلحة، وهو من يقتل الضعفاء في دول الشرق وهو من يجوع البشر، وينشر الأمراض ويعذب الكائنات الأخرى بأبشع الصور، ويلوث الطبيعة ويحرق الغابات،يستنشق العنصرية في كل شئ، لا ينكر قتل الأبرياء، ينكر فقط وفق إنتمائاته، يقارن بين إثنين قُتلا ظلماً لأن هذا من شيعته وهذا من عدوه في أسمى صور الغباء والعنصرية.
أتعلم الشئ الوحيد الذي يربط الإنسان والحيوان، هو أن كلاهما يسير كالقطيع، أعتقد لو كان للحيوان عقل الإنسان؛ كان أختار حياة أفضل لهذا الكون، الحيوان يحافظ على بيئته ويحارب للبقاء، أما البشر؛ فالبقاء لله.
أما عن الخروج الأشهر والأقوى وهو الذي قادني إلى سيل من المشاكل إنتهت بإصطحابي إلى هنا، هو متعلق بهذا الرجل (وأشار آدم لرجل يجلس على بُعد أمتار يتحدث مع نفسه، شعر بنظراتنا تلاحقه لاح له آدم بيده فقابله بابتسامة واسعة ولكن حينما رأني تغيرت ملامحه، أطال النظر قليلاً ووجه لي كلاماً بصوت واضح "أغبياء، قطيع، وغباؤهم يعجل ظهوره، أغبياء" ،
ضحك ساخراً ثم بكى مطأطأً رأسة)
أكمل آدم حديثة قائلاً :
لكي تفهم لماذا يضحك ثم يبكي سأحكي لك قصته،
أ.فريد باحث في التاريخ الغامض ومؤرخ، أتخذ المسار الذي إتخذته أنا وأنت ، أخذ يبحث عن الحقيقة ولكن نيته كانت نابعة من طبيعة عمله، الأسلاك المتاشبكة التي تملّكته أثرت عليه بطريقة ما؛ لا أحد يعلمها، لا أحد يعلم ما كان يخفيه وأوصله لهذا الحال، لكني أعلم من أوصله لهنا، قابلته مرات في حانة إعتدت الذهاب إليها، أول مرة جلس بجانبي وردد ما سمعته يقوله منذ قليل (أغبياء، قطيع، وغباؤهم يعجل ظهوره، أغبياء) ، وهذه كانت بداية علاقتي بالرجل الذي فهم ما كنت أعنيه وراء الكاميرات، تقاسمنا الأسرار سوياً، أعطاني المزيد والأكثر رعباً من حقائق عما يدور حولنا، وذات يوم ونحن نسأل بعضنا عن مدى أسرارنا ولمتى ستخاطب ضمائرنا مسامع القطيع، إقترحت عليه حلاً لم أكن أعلم أنه الطريق إلى المجهول، لم نعترف وقتها أن القوة التي سيطرت على عقول القطيع بإمكانها إزالتنا بسهولة وبدون أن يشعر أحد،عرضت عليه أن يشاركني مسرحيتي الأخيرة؛ ولم أكن أعلم وقتها أنها ستكون الأخيرة، لو كان العالم لا يريد أن يسمع صوتك فلتواجههم بأعلى صوتك يا صديقي، سأتنازل لك هذة المرة عن لحظاتي البطولية التي أتقمس فيها دور الشجاعة حينما أخرج عن النص المكتوب، هذه المرة سنتشاركها سوياً كما تشاركنا أسرارنا، وكانت المسرحية في سياق القضية، ملك ظالم يضطهد شعبه ويذيقهم الجهل حتى تأتي ثورة مجيدة تنتشله ومن حوله.
وكانت أدوار إثنتينا مظلومان خرجوا من السجن وفي المشهد الختامي المؤثر نضع الملك الظالم في نفس الزنزانة التي كنا فيها، إستلهبت حماس فريد ليتولى زمام المشهد، وكان أخر كلمات سمعتها على المسرح كانت منه وكانت كالتالي :
لا يُولدُ الظلم إلا من ظلم، ولا فساد حاكم إلا من فساد المحكومين وتنازلهم، التنازل؛ هي أحد مرادفات الإستسلام والخذلان، تتنازل عن قول الحق ونصرة مظلوم خوفة مصيرك المحتوم، تتنازل عن أساسيات آدميتك حتى يتسنى لك عيش حياة كئيبة مملة، تلهو في حياة مادية لا تفكر إلا في المادة وفهموك أن هذا هو النجاح، كلما زادت تيهتك زاد نجاحك الوهمي، تتثاقل على كاهلك نفقات الأسرة حتى لا يُسمح لعقلك العمل خارج إطار أوهامهم، تتنازل عن دينك وقيمك حتى لا توصف بالرجعية وكلما طعنت في ثوابتك حتى لو على غير إقتناع وكلما تراقصت كالثور الهائج كلما أثبت أنك متحضر، تطعن بأبذء الألفاظ ولا تقرأ ولا تسمع عمن تطعن ؛ لكن هكذا يكون الإنسان المتحضر، أمة خائفة لا تفرغ غضبها إلا في وسائل ترفيهية؛ حتى تحولت تلك الوسائل لأهداف يتقاتلون لأجلها، يقدسون نخبة تركع للشيطان، نخبة سيطروا على المال ونشروا الجوع ثم أغروك بثورة شعبية تبعتها حرب عالمية ثم تدفق المال ثم سحبوه منك سريعاً لتلهس ورائهم، هكذا سيطروا على الوضع خلال حربين مضوا، والثالثة والأخيرة على الأبواب، وليكون المشهد أكثر تشويقاً؛ لن تزحف وراء قوت يومك فحسب بل وراء مصل فيه نجاتك من وباء قاتل ينتشر سريعاً في كل مكان حتى يعم الهلع والضعف ويتقلص عدد الغوغاء والغوييم في هذا العالم، سيخرج وبيده نجاتك الزائفة، سيخرج والإنسان غارق في ضعفه وهوانه.
الشيطان حجته واضحة، يسجد له صفوة مجتمعاتكم وأرباب المال حتى تسجدو لهم ويكتمل النِصاب، تسربت الكثير من خفاياهم لتوقظكم مما يجري أو لتكون حجته علينا، من وضع لك الحقائق في مسلسل سيمبسونز هو من سرب لك بروتوكولات حكماء صهيون هو يملك صناديق المال، وهو من قتل جون كيندي وهو من قتل صدام حسين؛لا يصح للعرائس أن تنحرف عن يد من يتلاعب بها! .
الأمور تسري بإحكام متقن، لا ينحرف جنود الدجال عن تعليمات الخطة، ولا ينحرف البشر عن سُبات القطيع.
أغبياء، قطيع، وغباؤهم يعجل ظهوره، أغبياء.
كرر فريد جملته الأخيرة ثلاثاً ثم ضحك ساخراً ثم بكى مطأطأً رأسة.
إنطفأت أنوار المسرح وأُغلق الستار.
لتختفي الحقائق مرة أخرى خلف ستار دوامة الحياة، نحن هنا في أنقى مكان في هذا العالم، هنا نحن العقلاء، نحن من نعرف الحقائق ونعيش حياة هادئة، أتمنى لك التوفيق وأن تأتي لهنا سيدي.
قام آدم ونادى على فريد قائلاً " إلى الحانة يا صديقي!"
رحل ماسكاً بيد ا. فريد وصوت ضحكاتهما تتعالى، رحلا؛ لكن ما سمعته بقي شاهداً على إنقطاع نومي وتفكيري للبحث عن الحقيقة.