"هي الشمّاعة التي يُعلق عليها سبب أي مرض". فكرٌ تأصل في ذهني عن الأمراض النفسية منذ سنين. قبل دخولي كلية الطب و اهتمامي بالبحث الطبي، فالمريض الذي يعاني من المرارة و قد لا يتضح للطبيب سبب المعاناة يُقال عنه قد تكون مشكلة نفسية، و الذي يعاني من القولون و لا يفقه الطبيب سبب المرض، فالسبب جاهز و هو الضغوطات النفسية، إجابة ثابتة و مُريحة للطبيب و مُقنعة للمريض و تقنعك أنت أيضاً أليس كذلك؟،  لدرجة أنني تخيلتُ لو كانت الأمراض النفسية بشراً لكانت هناك شكوى منها للقاضي ضد جميع أطباء الكوكب! و لكن بعد دخولي الكلية و اهتمامي بالبحث تغير الأمر تماماً و زالت تلك النظرة الخاطئة من ذهني، و وجدتُ أن الأمراض النفسية قد تكون سبباً للأمراض الجسدية و العكس، إنها الجسدنة (somatization).

  لكن ما هي الجسدنة؟ حسنًا، هي مصطلح مرتبط في الأصل بنظرية نفسية ديناميكية لسببية المرض حيث يتحول الصراع النفسي إلى ضائقة جسدية، وتتميز الجسدنة بشكاوى جسدية متعددة و متكررة تشمل مجموعة واسعة من وظائف الجسم التي عادة ما تمتد لسنوات عديدة، لا يمكن تفسيرها بالكامل من خلال التاريخ الطبي للشخص أو الحالة، وبالتالي تُعزى إلى مشاكل نفسية. أما الأعراض يمكن تلخيصها في آلام الظهر، والدوخة، وعسر الهضم، وصعوبة الرؤية، والشلل الجزئي، واحتباس بولي ، وغثيان. أظن أنك الآن تتمنى أن تكون الأمراض النفسية بشراً لتشتكيها للقاضي! 

  الأمر مُدهش حقاً، فهم يعانون من الألم من دون سبب جسدي واضح، فنجد أن صراع العواطف و المشاعر تحوّل إلى صراع بين الأعضاء أيهم يجعل المريض يشتكي أكثر؟

 و عندما لا يتضح أمام الطبيب سبب جسدي، يلجأ لذلك التشخيص و يُنصح للمرضى الذهاب إلى أخصائيين علم النفس، فعلماء علم النفس يعتبروه نمطاً من السلوك المرضي، و غالباً ما يُنصح المرضى بتناول مضادات الاكتئاب.

و الآن أخبروني هل عانيتم من الجسدنة من قبل؟ و هل ترون أنه سيتم اكتشاف حلول أخرى في المستقبل تكون أكثر فاعلية؟