يعاني بشكلٍ خاص متخصصوا الحاسوب ومستخدميه باستمرار، والخبراء في صيانته وإصلاح مشاكله، مشكلة مجتمعية متفشية بكثرة في وطننا العربية ألا وهي : ( الخدمة بدون مقابل ) .
لماذا تعتقد عائلتك، أصدقائك، وكل من يعرف أنك عبقري حاسوب، بأنك في نظرهم عالة على المجتمع وجل ما تفعله في حياتك هو الجلوس على الحاسوب، النقر على الفأرة وتحريكها يمينًا وشمالًا، والعزف على لوحة المفاتيح بترانيم تطربُ السامعين. أنت في نظرهم تقضي أمتع أوقاتك لا تفعل بها شيئاً، وبما أنك عالة على الإنسانية، عليك أن تؤدي جزءًا من واجبك الإنساني تجاهها، وتخدم من حولك بدون مقابل، حتى يحتملوا جلوسك المقرف بينهم، لأنك بلا فائدة، بلا قيمة، بلا وجدان.
لماذا طرحتُ الموضوع، وما هي المشاكل المتعلقة به ؟
كمتخصص حاسوب عادةً يُطلب منك عدد لا نهائي من الخدمات، أذكر بعضًا منها : ( إنشاء صفحة على الفيس بوك / إنشاء بريد إلكتروني / خدمات تنسيق المحتوى والكتابة / خدمات تصميم / خدمات مونتاج فيديو / خدمات استشارية .. الخ الخ من الخدمات ) .
* الفكرة الأولى : ( أنت تخدمني لأنك لا شيء، وعليك الدفع لي لقاء ما ستتعلمه من ذلك )
سألتُ نفسي بحرقة : هل سهر الليالي تم نسفه بهذه السهولة ؟ هل التعب النفسي والإرهاق البدني ذهب هباءًا ؟ هل مهاراتي وقدراتي يُستهزأ بها لهذا الحد ؟ لماذا الخنوعُ اذًا .. ؟!
* الفكرة الثانية : ( الأمر سهل ولا يأخذ منك وقتًا، افعلها من أجلي لأرضى عنك )
- خطرت في بالي فكرة إلهامية لحل المشكلة، ما دام الأمرُ سهلًا لهذا الحد، لماذا لا تقوم به بنفسك يا أخي ؟!
- الجواب : أنا لا أعرف، أنت تعرف وهذا الأمر يسير عليك.
- أريد 100$ لقاءَ تلك المعرفة، أو افعلها بنفسك.
- الجواب : ماذا ؟! أنت تمزح معي بلا شك .. ههههه ،،
- لا أنا لا أمزح، أنا جاد، فأنا أحتاج لكثير من الجهد والوقت لإنجاز ما تُريد.
- الجواب : أنت تريد مني مالًا مقابل هذا العمل السخيف، يبدو أنك جننت، أو اختلّ عقلُك.
- لا أنا بكامل قواي العقلية، وأطلب منك بجديّة تامة، ان قبلت أنجزت لك العمل، وإن رفضت فمرحباً بك في الحالتين، أرجوك أريد جوابًا لأنّ وقتي ضيّق.
- الجواب : ثبت لي اليوم أنك حقير ونذل ، ولا تُراعي الصداقة والصحبة، أغرب عن وجهي لا أريد رؤيتك بتاتًا.
- شكرًا لك على كرم أخلاقك، أعذرني يا صديقي فلديّ عملٌ أقومُ به.
- روحة بلا رجعة .. ،،
انتهت المحادثة ،،
ماذا نستخلص من هذه المحادثة ؟ ببساطة الناس تحبك عندما تحقق لها مصالحها، وتعشقك عشق العشاق إذا حققت مصلحتها تلك بدون مقابل. تكرهكَ كُرهَ الأعداء إن طالبت بحقوقك، وتحقد عليك حقد اللئيم ان أصررت على مطالبك.
* ما العبرة من ذلك ؟
- العبرة أنك يجب أن تقوم بتصنيف الناس من حولك، فهناك من يقدر عملك وما تقوم به جيّدًا ويحسب ألف حسابٍ لوقتك - هذا تقرّب منه ولا تتردد في التعامل معه - وهناك من يمتص جهودك وعرقك وتضحيتك في سبيل استمرار علاقتك البائسة به - فانسفها ولا تأبه - فهذه الأشكال لا تستحق أن تعطيها ثانية من حياتك، لأنها طمّاعة لئيمة تهتم لمصالحها على أنقاض أبنية غيرها.
أتكلم معكم بمشاعر ألمٍ وسعادة، الألم لأنني رضيت بالعيش الكفيف خنوعًا من الزمن، والسعادة بأنني سأربي كلّ من تسوّل له نفسه، التطاولَ على شخصي أو وقتي أو حياتي بدون ثمنٍ باهظٍ يدفعه.
أرجو أن يكونَ هذا الموضوع، بدايةً للشباب العربي الطموح، المتخصصين في مجال الحاسوب، والعاملين بشكلٍ حر، وغيرهم ممن يعانون من هذه المشكلة في أي مجالٍ آخر، أن يتعاونوا على صياغة حقوقهم ولو كلّفهم ذلك حراب الجميع، حتى المقرّبون منك من عائلتك أو أصدقائك، فمن يحبك حقًا يهتم فعلاً بمصلحتك، ويضره ما يضرك، وينفعه ما ينفعك، تلك هي العلاقة الحميمية الحقيقية التي عليكَ أن تتشبثَ بها بكل حوارحك، وتضحي لأجلها بما تملك.
( إذا أردنا أن نتخلص من جورِ الحكّام، علينا أولًا ألا نظلمَ أنفسنا ونظلمَ غيرنا، بعدها لن يتجرأ أحدٌ في الكون على النيلِ منا، هذه أخلاقنا، وهذا ديننا، دين المعاملة والعدل فيما بيننا أولاً، ومع غيرنا فيما في المقام الثاني. )
دمتم بود .. وأنتظر آرائكم بالمشاركة ،،
التعليقات