خلال الأيام الماضية كان علي مراجعة إحدى الدوائر الحكومية والتي بدورها تستلزم تقرير طبي عن حالة المراجع، وبين تنقلي من مستشفى إلى آخر باحثًا عمن ينجز لي هذه الورقة البسيطة ضاع يوم كامل بدون أدنى فائدة.
استجمعت نشاطي من جديد وذهبت في يوم آخر، وهذه المرة كان هناك مستشفى محدد قيل لي بأنه سيخلص لي هذا التقرير، ويبدو أن الأمور ستسير على خير ما يرام، فكل شيء واضح ومحدد من البداية.
وبعد ساعه تقريبًا من الذهاب جيئتا وإيابًا داخل هذا المستشفى أنهيت الورقة، وختمتها من مدير القسم الذي أكد لي بأن كل شيء "تمام"، ويمكنني الآن العودة إلى الدائرة الحكومية لمتابعة باقي الإجراءات. وفعلًا انطلقت مسرورًا متوجها إلى مقر الدائرة الحكومية، فاجئني الموظف بأن أوراقي غير كاملة بعد، وبأن المستشفى لم ينجز ما عليه بعد، فيجب عليهم ربط نتيجة التقرير مع موقع الوزارة لتجنب حدوث أي تلاعب أو غش في الأوراق.
عدت بعدها إلى المستشفى وأخبرتهم بأن عليهم إكمال باقي العمل، وهنا كانت المفاجئة الحقيقية.
قال لي أحدهم بأن "النظام عطلان" ولكن لا تقلق، لقد نسقنا مع مستشفى خاص ليس ببعيد من هنا، يكفي أن تذهب إليهم وتنهي إجراءاتك المتبقية.
سألته: وبما أنه مستشفى خاص هل علي دفع رسوم إضافية؟
رد علي: بالطبع، ولكن ليس بالأمر الكبير، 10 دولارات أو 15 دولارًا على الأكثر.
قلت عجبًا، أوعلي تحمل خطأكم ودفع تكاليف إضافية لست ملزمًا بها.
قال: هذه هي الطريقة الوحيدة لتخليص أوراقك.
قلت: حسنًا، أعطني هذه الـ15 دولار البسيطة لأنهي أمور، فكما تعلم، الخطأ خطأكم من البداية وعليكم تحمل تكاليفه.
رد وقال: إذا كان لديك اعتراض أذهب وكلم المسؤول.
من الواضح أن الموضوع من البداية عملية نصب مخطط ومدبر لها، فهذا النظام العطلان له عدة أشهر على هذه الحالة، وبالتنسيق مع مستشفى خاص يمكن لهم تقاسم أرباح كل شخص يدفع الرسوم لينهي إجراءاته.
هنا رددت عليه بكل صراحة: أصلًا أنتم نصابين، تجبروننا على الدفع في أمور لا يفترض بنا تحمل أي تكاليف فيها نهائيًا، من أجل أن تحصلوا على نصيبك الخاص لتضعوه في جيوبكم.
تغيرت نظرته إلي، فيبدو أن لا أحد قد صارحهم بهذا من قبل، رد علي وقال أنت قليل أدب.
حسنًا عند هذه النقطة قررت مغادرة المكان، فمن الواضح أن الأمور لا يمكن أن تحل من طرفهم، وبينما أنا متجه إلى باب الخروج، يقوم أحد الموظفين من مكانه، وبدأ بشتمي والتهجم علي لفضيًا "أنقلع يا كلب"، استدرت اتجاههم لأرى من هذا الذي يتكلم بهذه الطريقة، شخص في حدود 45 من عمره، المشكلة أنه شخص آخر غير اللذي تحدثت معه قبل قليل.
يتابع تقدمه باتجاهي، يريد أن يضربني، حرفيًا لا مانع عندي من تحريك عضلاتي قليلًا، لكن هذه ليس الطريقة لحل الأمور، لذا اكتفيت بالرد عليه بـ"حسابك على الله" وتابعت طريقي. لا يبدو أنه من النوع الذي يفهم، استمر بشتمي مجددًا "أطلع برا يا حيوان"، تابعت بدوري طريقي ولم أعر بالًا لما يقول.
وهكذا ضاع يوم آخر بدون إحراز أي تقدم :)
بصراحة لم يكن دفع 15 دولار بالشيء الكبير، ما منعني من هذا كون الموضوع رشوه بطريقة غير مباشره، بهذه الطريقة يمكن للموظف تقديم أي عذر "النظام عطلان" حتى يتوقف عن خدمة المراجعين، وبطريقة أكثر خبثًا يستطيع تحويل الموضوع إلى تجارة، أدفع لتخليص أمورك.
وهنا يتضح لنا لماذا حرم الدين الإسلامي الرشوة، فبها يتوقف من عُين لخدمت الناس عن أداء عملة، وتتعطل منها مصالح البشر المساكين الذين لا يجدون لقمة عيشهم فما بالك بدفع مال إضافي بطونهم أولى به.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) سورة النساء الآية 29.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي . صححه الألباني
التعليقات