مثقفون حتى النخاع
دخلتُ المنزل على عجل. ألقيتُ حقيبتي أرضاً وهرعتُ إلى المطبخ. معِدتي كانت تتضَور جوعاً بعد يومٍ مجهدٍ من الامتحاناتِ، إنَّه اليومُ الأخير من أيَّام الفصلِ الدِّراسيِّ الخامس لي في الجامعة. وضعتُ يدي على مَقبض البرَّاد وكلّي أملٌ أنْ تتحقَّق المعجزةُ هذه المرَّة؛ أنْ تكون رفوفُ البرَّادِ ممتلئةً بأنواعٍ شتَّى من الأطباق البهيّة والأطعمة الشهيّة. لكنْ أين ذلك منِّي؟ وأين أنا من المعجزات؟ النّتيجةُ كانت هي ذاتَها منذ ثلاثة أشهر: البرَّاد خاوٍ تماماً. لم يبق لي آنذاك سوى طبقٍ من البطاطا. بطاطا صغيرة كبيرة، مسلوقة مقليّة، بخبزٍ بلا خبز؛ لَا فرق، المهمّ طبق من البطاطا. يا إلهي كم هي مقدَّسةٌ البطاطا. إنَّها لنعمةٌ إلهيَّةٌ منقطعة النَّظير. إنَّني بحقّ أكره البطاطا. صِرتُ أُبْغِضُهَا بُغْضًا شديداً لدرجة الغثيان. لكن، لا شكَّ عندي في قدسيَّة تلك الحبَّات.
أجبتُ نداء معدتي ثمَّ جلست صافي البال لا أنوي على شيءٍ، واستغرقتُ في صمتٍ عميقٍ لا يَمْخُرُهُ إلَّا دقَّات عقارب السَّاعة على الحائط؛ وبينما أنا كذلك، إذ اتَّصل بي صديقي كامل:
_ هناك حوارٌ ثقافيٌّ هذا المساء أريدك أنْ تَحضُرَهُ
_ حوار ماذا يا رجل؟ أنا مرهق!
_ كفاك حججاً! الحوار سيجمع بين أطيافٍ عديدةٍ من الطلاب والمثقَّفين، وسيكون في مقهى البومة.
_ مقهى البومة؟ إنَّك تعلم تماماً أنَّني أكره ذلك المكان، كما أكره روَّاد ذلك المكان. إنَّ الإشعاع الثّقافيَّ المنبعث داخله يُفجّر في رأسي الأورام.
_ لا بدَّ من مشاركتك، أريدك أنْ تكون هناك بعد نصف ساعة.
لم يكنْ أمامي سوى خيارين أحلاهما مرٌّ: إمَّا أنْ أبقى حبيسَ هذه الجدران الأربعة وأصغي لدقَّات تلك السَّاعة اللَّعينة، أو أنْ أذهب كاره النَّفْسِ إلى ذلك المكان العفن.
_ حسنٌ، لكن سيكون عليك دفع الحساب!
ظلامُ اللَّيل يسري في أرجاءِ مدينةِ (تشاناقلعه) شيئاً فشيئاً والطَّقسُ بارد منعش. أمشي مُبْطِئ الخُطى إلى المقهى حيث اللَّقاء. فكَّرتُ بدايةً في ركوب الحافلة للذَّهاب إلى هناك، لكنَّني عدلتُ عن الفكرة مفضِّلاً السَّير على الأقدام. ليس لأنَّني لا أملكُ المال الكافي، لا أبداً؛ بل لأنَّ ذلك ضَرْبٌ من الإسراف. ثمَّ إنَّني أحبُّ المشيَ كثيراً، كما أجدُ فيه الطَّريقة المُثْلَى لتنظيم أفكاري؛ إنَّها علاقةُ تناسبٍ طرديٍ بسيطةٍ: كلَّما أرهقتَ قدميكَ أكثر، كلَّما تموضعتْ الأفكار في عقلكَ بصورةٍ أفضل. على جميع الأحوال، سيكون على ذلك المخبول أنْ يدفع لي أيضاً أجرة الحافلة أثناء العودة إلى المنزل. أقصدُ بالمخبول صديقي كامل، يا إلهي كم يزعجُه أنْ أدعوه بالمخبول، إنَّ هذه الكلمة تسْتفِزُّهُ، تَجْعلهُ يَسْتشيطُ غضباً كالملسوع بسَوْطٍ من جحيم. لكنَّه حقَّاً مخبول، وهو طيِّب القلب بصورةٍ مزعجةٍ؛ وهذا لا ينفي أبداً كونه مجتهداً ومتفوِّقاً، لا بل ومثقفاً لأبعد الحدود. نعم أنا جادٌّ فيما أقول. إنَّه يملك من الثَّقافة ما يدعو للدَّهشة، ويفقه شيئاً من كلِّ شيء؛ كما أنَّه مولعٌ بالفنِّ عموماً، وبالرَّسم على وجه الخصوص. إنَّه يعشق كلَّ ما يتعلَّق بـ (دالي) و(فان جوخ فانسان) و(كارافاجيو) و(إدفارد مونك) و(يوهانس فيرمير) و.... سحقاً! لقد حفظتُ هذه الأسماء لكثرة ما حدَّثني عنها. إنَّني أكره ثرثرتَه بقدر ما يُعجبني حبُّه للإطِّلاع. إنَّه ثرثارٌ لدرجةٍ لا تصدَّق، ولو هَمَّ بالحديث في موضوعٍ ما، لعجزتْ قِوى الأرض مجتمعة عن إسكاته؛ لكنَّ كلمة مخبول كفيلة بذلك. إنَّ لهذه الكلمة تأثيراً سحرياً على الرَّجل. أنا بصراحة لا أرغب في نَعتِهِ بالمخبول، لكنَّني مضطرٌّ لذلك، لأنَّ ثرثرته تصيبني بصداعٍ شديدٍ أخافُ أنْ يتحوَّل ذات يوم إلى نزيفٍ حادّ؛ أنْ أجد نفسي في دائرةٍ معزولةٍ عن العالم، ولا أرى فيها سوى إيماءات وجهِهِ، وحركة شفتيه مُبْطَّأة بُطْئاً شديداً، ولا يتردَّد فيها سوى صدى كلماته الثَّقيلة؛ ثمَّ تسودُّ الدَّنيا في عينيَّ وأسقط في فراغ قاتم. إنَّني أجْزم لكم يا سادة أنَّ أمرين اثنين يُطيلان من عمر الإنسان: تناول زيت الزيتون، وتجنُّب الدُّخول في نقاشٍ مع هذا الصِّنف من النَّاس. دعكُم الآنْ من كامل وهذا اللّغو، فلقد وصلت إلى المقهى…
أتنفَّس الصُّعداء، وأدخل المقهى من بابه الخشبيِّ المقوَّسِ. إنَّه بناء حجريٌّ قديم مؤلَّفٌ من طابقٍ واحدٍ مرتفعِ السَّقف، وتَكسو أرضيَّته طبقةٌ من الخشب المُعَتَّقِ؛ وهو بمساحة ملعب كرة السَّلَّة، أو أكبرُ قليلاً. المكان شديدُ الإزدحام. عشرات الطَّاولات من على يميني ويساري؛ أتقدَّمُ بينها باحثاً عن كامل. ترتفع الأصوات، وتَتَعَالى القهقهات من كلِّ حدب وصوب، ثمَّ تتداخل بطريقة هستيريَّة؛ في الحين ذاته يصيح (شارل ازنافور) من مكبِّرات الصَّوت بأغنيَّته "لا بوهيما.. لااا بوهيمااا...:"أسأل نفسي: ما الّذي أتى بي إلى هنا؟ هل فقدت عقلي لأكون بين هؤلاء؟ أو بالأحرى، أنا أصلاً لا أملك واحداً لأفقده، فأنا لستُ محسوباً على هؤلاء... (لا بوهيما لا بوهيما)... "تبَّاً لي! لم أفلحْ يوماً في الانتماء إلى عالمهم، في الولوج إلى دنيا أفكارهم العميقة، في ركوب أمواجِ مُحيطاتِهم الهائجة.. وكيف لي ذلك؟ أباستهلاك البطاطا مثلاً؟… أنا لم أرتدِ يوماً نظَّارات مثيرة كتلك التي ترتديها هذه الفتاة، ولم يكن عندي وشاح وردي اللَّون كما عند الرَّجل هناك؛ ربْطات العنق، الغليون والسَّيجار، قصَّات الشَّعْرِ والذُّقون؛ لم أمتلك يوماً أيَّاً منها. إنَّ كلَّ مَنْ في هذا المكان، له طرازه الخاصِّ الّذي يَنُمُّ عن أبعادِ عمقه الثَّقافي… (شارل أزنافور) يصدحُ بالكلمات الأخيرة من أغنيته مُسْتلَّاً مني آخر أنفاسي: (لا بوهيما لااا بوهيما، سا نو في بلو غيانيغ دو توو.)
لقد ضاق صدري ولم أعدْ قادراً على التَّنفس.. ألتَفِتُ إلى الوراءِ بغيةَ الخروج من هذا المكان، فيظهر كامل أمامي ويسأل: هيه إلى أين أنت ذاهب؟. أجيبه باضطراب: أنا… أنا فقط كنت أبحث عنك. يبتسم: حسناً، نحن جالسون هناك بالقرب من النَّافذة، أحْضِرْ ما تريد أن تشرب وتعال. استوقفه متسائلاً عن موضوع الحوار، فيجيب "نظرات نقديَّة في النَّظام العالميّ الجديد."
أتَّجهُ نحو (البار)، وأنظرُ إلى (المينو) لائحة المشروبات... دَعكَ منها؛ أُخاطبُ النَّادل: هل لي بكأسٍ من الشَّاي. يَسألنُي مستغرباً: شاي فقط! أُجيبُهُ: نعم، شاي فقط؛ شاي غامق بلون الدَّم. يَتَّجِهُ النَّادل لإحضار الشَّاي، وألتفتُ أنا يميناً فيَسْقُطُ ناظري على كتاب؛ إنَّه رواية (حفلة التفاهة). يَطفو في ذاكرتي أنَّني سبق ورأيتُ هذا الكتاب منذ أسابيع في الحافلة أثناء ذهابي إلى الجامعة. أَرفعُ ناظري بفضول لأعرف صاحبه؛ يا إلهي! إنَّه الشخصُ نفسُهُ الّذي رأيتُه في الحافلة أيضاً. معقول! أسابيع ولم ينتهِ الكتاب! لا شكَّ أنْ لو علمَ (ميلان كونديرا) بهذا المُغفَّل لكان سيَعْزِفُ عن تأليف الرَّواية من أصلها، ولا يبالي. أميل على أذنه وأهمسُ ناصحاً: يا سيِّدي عليك بأكل البطاطَا، فهي مقدَّسة. ينظر إليَّ باشمِئزازٍ وينصرف. أظنُّه قد خالني مجنوناً أو شيئاً كذلك.
آخُذُ الشَّاي وأنْحو إلى طاولة كامل وأصحابه ناحية النَّافذة، إنَّ أروعَ ما في هذا المكان هو النّافذة وإطلالة النّافذة. ذلك أنَّهُ يتربَّعُ على تلَّةٍ صخريَّةٍ صغيرةٍ، ينحدر على أعتابها شاطئ البحر، حيث يمتدُّ هناك امتداداً سرمدياً إلى اللَّانهاية. أفتحُ النَّافذة فتهبُّ منه نسائمُ عليلةٌ تداعبُ كلَّ شبرٍ في جسدي، وتُزيحُ عن صدري كلَّ ضيق، ثمَّ أجلسُ مقلِّباً ناظري بين الحضور علَّني أتعرَّف على أحدهم؛ لكنَّ مَحياها أسر عينيَّ فما عُدْتُ أرى سِواها…
إلهي ما هذا الجمال الأخَّاذ! وجهُها المستدير النَاعم يتوسَّطُهُ أنفُها الأقْنى بين خدَّين مُكْتَنِزَين كتُفَّاحتين بلون الزَّعْفَرَان، وقد عَقَصَتْ شَعرها الطَّويل على رأسِها تاركتاً خُصلتين لتُداعِبَا شَحْمَتَي أذنيها المحلَّاتين بحلق من اللُّؤلؤ الأبيض. جِيدُها وما كشفته من صدرها ثنائيَّة تشكِّل لوحة الإغراء الأنثويِّ. إنَّها نَظْمٌ إلهيٌّ متناغمُ القوافي. الجميع يصغي لها وهي حدها تتحدث؛ وكيف يكون غيرَ ذلك والكلمات تخرج من بين شفتَيها المخضَّبتين بمذاق الحياة كسموفونيَّة ساحرة؟ يميل كامل ويهمس في أُذني: اسم الفتاة الَّتي تتحدَّث الآن نهال، وهي طالبة هندسة معماريَّة في السَّنة الثَّالثة. تنتهي نهال من حديثها، ويتناول طرفَ الحديث شابٌ يجلس قُبَالتَهَا.. يميل كامل مرَّة أخرى ويسترسل: الموضوع خرج عن سياقه، لا أعرف كيف حدث ذلك؛ لكنَّ الجميع يحاول الإجابة على السُّؤال الَّذي طرحته نهال عن تعريف الإله. أنْظُرُ إليه بامتِعاضٍ وأجِيبُهُ بالصَّمت، فيُكمِلُ هو همسَه: سيكون عليك أنت أنْ تعيد الحديث إلى مَجْرَاه. أُعقِّبُ على كلامه مُستغرباً: ولما هذا التَّبلي يا رجل! لقد أتيت لتويّ، فكيف لي أنْ أفعل ذلك أصلاً؟ يُجيب وقد ارتسمتْ ابتسامة خبيثة على وجهه: أنا أثق بكَ، أنت جريء وشجاع، ولديك القدرة على فعل ذلك، ثمَّ إن أحداً لم يلاحظ مجيئك متأخِّراً، ثقْ بي.
ليست هذه المرَّة الأولى الّتي يَضَعُنِي فيها هذا المخبول على رأس المِدْفَعِ، فهو يفعل ذلك في جلِّ المواقف مُستغلاً جُرْأتي المُبالغ فيها أحياناً؛ أو سمِّها أنت وقاحة، لا فرق. أزْوِرُهُ بطرف عيني، وأنتظرُ انتهاء الشَّاب من حديثه متسائلاً في نفسي: هل عليَّ فعلاً أنْ أفعل؟ هل سأستطيع الصَّبر على هذه المُهاترات حتَّى النَّهاية؟ يُنهي الشّاب حديثه فأتُدخَّلُ أنا تاركاً تساؤلاتي تلك دون جواب: المعذرة يا أصحاب، لكن أظنُّ أنَّه من المُفيد أنْ نعود إلى مُوضوعنا الأساسيّ، وذلك حرصاً منِّي على الوقت والفائدة...
لم تنلْ كلماتي تلك إعجابَ أحد؛ أُدْرِكُ ذلك من نَظَرَاتِهم، فأُكملُ: بصراحة، عندي فضول كبير لأتعرَّف على فكرة الآنسة نهال، ووجهة نظرها في الموضوع الأساسيّ. تُشرق ابتسامةُ رضى عريضة على وجهها، وتَبرق عيناها لمعاناً. حسنٌ، لكن أرجو ألَّا يقوم أحد بمقاطعة كلامي حتَّى أنتهي منه. أُجيبها: أضمن لكِ ذلك.
تُباشر نهال بالحديث بعد أنْ ألقتْ ساقاً على ساق: في الحقيقة، أنا أؤمن بالفكر الشّيوعيّ الاشتراكيّ، وما يدفعني للإيمان بهذا الفكر هو النَّظام العالميّ الجديد بحدِّ ذاتِه، لأنَّ ما نعيشه في عالمنا اليوم من…. تحدَّثي يا نهال، تحدَّثي فكلِّي آذانٌ صاغية لك يا جميلتي. تحدَّثي حتَّى الصُّبح، وليبدأ (شارل انزوفار) بأغنيته تلك من جديد، وليصدح بها مِراراً وتَكراراً…
لقد أصابني الضَّجر. مضى من الوقت ساعة ونصف وما زالتْ نهال تتحدَّث. لقد باتت كلماتُها تنصبُّ في أذني كانصِبَابِ الحِمَمِ، ويتردَّد صوتُها في رأسي كصدى النَّاقوس بين القِمَمِ. وما أنْ دعوتُ في خَلَدِي أنْ "ربي ارحمني من هذا العذابَ!" حتَّى قالت نهال "هذا كل ما عندي باختصار" وأنْهتْ حديثها. هل هذا معقول؟ أهي استجابة للدُّعاء؟ أم محض صدفة؟ أوَليست الصَّدفة بعضٌ من القدر؟ دَعكَ من هذا الآن. وإن كانت مجرَّدَ صدفة فيا محاسنِ الصُّدف.
أتنهَّدُ طويلاً ثمَّ أقول: كلامكِ جميل جدَّاً ومؤثِّر، ونظرتك عميقة بالفعل، وأنا جادٌ فيما أقول. لكن قبل أن أبدأ بالتَّعقيب على بعض ما قلتِ، هل لي ببعض الأسئلة؟ فعلى ضوئها أريد الحديث.
ترفع حاجبها وتنظرُ إليَّ نظرة فاحصة.
_ أولاً، ما تعريف الشّيوعيّة؟
_ أنا أرى أنَّ الشّيوعيّة هي..
_ آسف على المقاطعة، لكنَّني أريد تعريف الشّيوعيّة كما هو، لا كما تَرَين.
_ لكن هناك تعاريف عديدة للشّيوعيّة!
_ صحيح، هناك تعريف (القاموس الماركسي)، وتعريف موسوعة (ميدان لاورَس)، وتعريف قاموس (المصطلحات السياسية والاجتماعية)؛ وأنا أريد واحداً منها فقط، حتَّى أنَّني سأرضى بتعريف (ويكيبيديا)
_ تظهر عليها علامات الغضب: لا استحضر أيَّاً منها الآن، ثمَّ ما هذا السُّؤال الاستفزازيّ؟ هل تحاول اختباري؟
_ لا طبعا آنستي، وإنَّما من حقّي أن أسأل. وهل كنتِ أنتِ تختبرين الحاضرين حين سألتِ عن تعريف الإله؟
_ طبعاً لا!
_ حسنٌ، إذاً فاصبري عليَّ حتَّى النَّهاية من فضلك. أمَّا السُّؤال الثَّاني، وهو موجَّهٌ إلى الجميع، ما هو أفضل كتاب يُحدِّثنا عن روح الرَّأسماليَّة ويَشرح لنا معالمها؟
_ لا يجيبُ أحد، فتندفع نهال وتقول: طبعاً كتاب رأس المال (لكارل ماركس).
_ أحسنتِ يا آنستي. إنَّ أفضلَ كتاب في نقد النَّظام الرّأسماليّ وكشف خباياه وسلبيَّاته هو كتاب رأس المال، لكن ليس هذا جواب سؤالي، لأنَّ الكتاب الَّذي يخبرنا عن روح الرَّأسماليَّة هو كتاب الأمير (لمكيافيلي).
_ تقاطعني باشمِئزاز: ما هذا الأسلوب الفظّ،أنتَ شخص دوغمائيّ وسفسطائيّ ليس إلَّا!
_ أمّّا سؤالي الثّالث، فعن عدد الكتب التي قرأتها (لكارل ماركس) و (فريدريك إنجلز).
_ لا، الموضوع زاد عن حدِّه وأنا لا أريد الاستمرار في النّقاش!
_ وأنا أيضاً لم أعد أريد الاستمرار فيه، لأنّني أُكنُّ لهذين الرَّجلين العظيمَين كلَّ الاحترام، وأرى أنَّه من العيب أن أُطالعَ أفكارهما مع من لم يقرأ لهما البتّة. وأمَّا تعريف الإله فهو بالنَّسبة لي، أيُّ شيء يلبي حاجة التدين الفطرية عندي، ولا يمكن لعقلي البسيط أن يستوعب فكرة عدم وجوده.
ينظر الحاضرون إلى بعضهم البعض باستغراب، ويقول أحدهم "كيف؟ لم أفهم!" أقِفُ متأهِّباً للذَّهاب وأقول "من الطَّبيعيّ ألَّا تفهموا، فأنتم مثقَّفون حتى النَّخاع!"
أخرج من المقهى وأعود إلى دقَّات ساعتي على الحائط.
التعليقات